TOP

جريدة المدى > عام > وجوه الحب الثلاثون..الحب مسألة رياضية لم تُحل بعد!!

وجوه الحب الثلاثون..الحب مسألة رياضية لم تُحل بعد!!

نشر في: 22 يوليو, 2017: 06:01 م

|    15    |
كان  الفتى محسن في الخامسة عشرة من عمره، عندما دخل عليهم (عم عبده) ليقول وهو يغمز بعينيه مشيراً الى حجرة العمة إن عندها ضيفة، لم يجد وصفاً لجمالها  أدق من أن يقبّل أطراف اصابعه.نهض الجميع مسرعين ب

|    15    |

كان  الفتى محسن في الخامسة عشرة من عمره، عندما دخل عليهم (عم عبده) ليقول وهو يغمز بعينيه مشيراً الى حجرة العمة إن عندها ضيفة، لم يجد وصفاً لجمالها  أدق من أن يقبّل أطراف اصابعه.
نهض الجميع مسرعين باتجاه باب الغرفة المغلق، وراحوا يتدافعون على ثقب الباب متضاحكين بصوت خافت، واصيبوا بالصدمة وهم يشاهدون جمالاً لم يروا مثله من قبل، وكان لكل منهم معها بعد ذلك قصة.

كان ذلك عام 1918 حيث تَعوّد محسن – توفيق الحكيم - ان يصعد إلى سطح البيت مع عمته، وذات يوم سمع صوتاً موسيقياً  ينادي عمته : " كان نذيرا او بشيرا  باعلان الاشتباك في الحب "  ولم يكتف الصوت بالتحدث مع عمته وانما حيته، فرد التحية متلعثماً خجلاً  ينظر الى الارض، ويحاول ان يداري خجله بالنظر الى الكتاب الذي يحمله بيده، فأخفت الفتاة ابتسامة حقيقية ثم التفتت اليه وسألته :
- هل هذه رواية
• لا إنه ديوان شعر
- هل تحب الشعر
• نعم.. وأنتِ
- أنا في الحقيقة، أفضل الروايات، ومع ذلك أحب بعض القصائد او الازجال التي أغنيها وأنا أعزف على البيانو.
وأسرعت العمة لتقول إن محسناً يمتلك صوتاً جميلاً وهو بارع في الغناء.
ولأن  "سنية" فتاة عصرية،ابنة لطبيب معروف، ومادام محسن يغني فلابأس ان تدعوه الى منزلهما، ونراها تقفز  بخفة الى البيانو، تمرر اصابعها على مفاتيحه العاجية  لتطلق  انغاماً كتغريدة العصافير، وتنظر الى الفتى  المرتبك، تدعوه الى الغناء، ويتردد وهو يلاحظ نظراتها التي تتابعه، فيرتفع صوته  مرتجفاً في بادئ الأمر، ثم يثبت ويستقيم  وينطلق في فضاء المكان حالماً في نغم يؤدي احدى مقطوعات عبد الحمولي
"الحب كله أشجان... ياقلب حاذر
الصد والهجران... جزا المخاطر"
واعجبت والدة سنية بعبد الحمولي الصغير، فوافقت ان يعلم ابنتها الغناء، وشعر محسن بان نفسه لاتتسع للسعادة، وعندما يذهب في اليوم التالي الى المدرسة يطلب منه معلم اللغة العربية  ان يختار موضوعا في الانشاء، ويبحث عن موضوع جديد، ولأن ذهنه مشغول بفكرة واحدة، نجده يكتب على السبورة كلمة واحدة "الحب".
عام 1970 كان قد بلغ الثالثة والسبعين من عمره حين نشر مقالا بعنوان  "ألوان من الحب" كتب فيه:
"إذا كنت تحب امرأة وهي لاتعلم إنك تحبها، فأنتَ لاينقصك إلا الشجاعة، لأن تقول لها إنك تحبها.
وإذا كنت تحب امرأة وهي لاتحبك، فانت تعيس، وعليك أن تكف عن محاولة جذبها إليك
فكل ما ينطق عن الشفتين ولايصل الى المحبوب فهو وهم، والحب ليس وهماً بل هو حقيقة، والطريق اليه يبدأ بالخوف  وينتهي بالشجاعة
لكن لا حب بلا خطر، لا حب بلا قلق، بلا خوف، وحين يدخل الاحساس بالخطر، يصبح الحب أكثر عنفاً، وأكثر قسوة. أما إذا كنت تحب امرأة ولايعنيك أن تعرف هي ذلك، ولاتحاول أنتَ أن تقول لها، ثم تجد متعة في هذا الحب، فأنتَ من الملائكة  او من القديسين."

****
الحب قصة لا يجب أن تنتهى
 توفيق الحكيم ابن السابعة والعشرين  يعانق أباه ثم يتقدم  باتجاه الباخرة التي ستبحر به الى فرنسا  يصعد، الدخان الابيض للباخرة يعلو ويعلو، ضجيج الآلات  يزداد صراخاً، هذه أول مرة يركب فيها  باخرة، شاهد والده يلوح بيديه، يكتب بعد ذلك في "عصفور من الشرق" : "طالما قاومت وكافحت في سبيل التجرد والتحرر من كل ما يشغلني عن الادب والفن، وها انذا اليوم قد انتصرت، فأنا الآن للفن وحده".
لم تشغله حياة الطبقة الأرستقراطية التي تعيشها عائلته، وإنما شغلته حكاية غرفة الست زنوبة، ومنديل سنيّة الذي تحايل حتى أخذه واحتفظ به في "عودة الروح"، ولم يدخر وسعاً في الابتعاد عن  المرأة التي كان يخشى أن يعيش معها قصة حب فاشلة، مثل تلك التي قرأ عنها في روايات شارلز ديكنز. قرر أن يكرس  نفسه لدور واحد فقط هو دور الفنان الذي يطرد من عقله كل شيء إلا الفكر والفن والثقافة، ولم يكن يدرك أن باريس ستكشف أمامه ألواناً جديدة من الحب، الفرنسيون الذي استأجر منهم غرفة صغيرة أطلقوا عليه اسم " عصفور من الشرق، كان يرونه شاباً خيالياً، وهذا الخيال جعله يعشق فتاة لم يرها سوى مرة واحدة،   تبيع التذاكر في مسرح الاوديون يكتب عنها: "أراها تشرق كل مساء بعينين فيروزتين  جميلتين وابتسامة ساحرة"، لكنه حائر لايريد ان يتقدم منها، وحين ينصيحة صديقه اندريه  بان يقدم لها باقة من الزهور  ويفاتحها بما في نفسه من مشاعر، يرفض ويقول له:
- ياعزيزي اندريه، مازال في رأسي قليل من الإدراك يكفي لإفهامي على الأقل ان مثل هذا الجمال في شباك مفتوح للجمهور، لايمكن ان يبقى جتى الآن في انتظار قدوم هذا الصعلوك الشارد الذي هو أنا.
ويسأل اندريه: كيف عرفت انها تحب شخصا ما
- الفِراسة
ولايمكن لأندريه إلا أن يصرخ به:
• الفراسة.. هذا بابها، وهذه هي جالسة، أكاد أراها من هنا، اقسم انني لم أر مثل هذا في حياتي.
ثم يضيق العصفور بالجلوس في المقهى  الذي طال من دون جدوى، ويقرر العمل على طريقته، فيتبع سوزي حتى يعرف الفندق الذي تقيم فيه، ويقرر أن يستأجر غرفة تكون فوق غرفتها بالضبط، ويهدي اليها ببغاء على طريقته ايضا: "وضع في وسط القفص حبلا وأنزله من نافذة غرفته حتى ركز على حاجز نافذة غرفة سوزي، وعندما فتحت النافذة رأت نفسها أمام ببغاء في قفص، رفعت عينيها فرأت محسناً يبتسم لها وسألته عن اسم الببغاء فقال لها اسمه "محسن"، وماكادت تنطق هذا الاسم حتى صاح الببغاء
- أحبك.. أحبك.. أحبك
- فضحكت سوزي وقالت
• عجباً! من لقنه هذه الكلمات
- لا أحد.. "في عينيه نظر" هذا كل ما في الأمر."
في رسالة يوجهها الى صديقه اندريه يكتب توفيق الحكيم :
"إن الحب قصة لا يجب أن تنتهى... إن الحب مسألة رياضية لم تحل... إن جوهر الحب مثل جوهر الوجود لابد أن يكون فيه ذلك الذى يسمونه   المجهول أو المطلق، إن حمى الحب عندي هي نوع من حمى المعرفة واستكشاف المجهول والجري وراء المطلق، ماذا يكون حال الوجود لو أن الله قذف في وجوهنا نحن الآدميين بتلك المعرفة أو ذلك المطلق الذي نقضي حياتنا نجري وراءه...؟ لا أستطيع تصور الحياة حينئذ... إنها ولا شك لو بقيت بعد ذلك لصارت شيئا خاليا من كل جمال وفكر وعاطفة... فكل ما نسميه جمالاً وفكراً وشعوراً ليس إلا قبسات النور التي تخرج أثناء جهادنا وكدنا وجرينا خلف المطلق والمجهول)".
نرى   محسن  الفتى في عودة الروح، الشاب في عصفور من الشرق، ليس سوى توفيق الحكيم نفسه، و في كتاب "زهرة العمر" الذي تضمن مجموعة من الرسائل كتبها بالفرنسية لصديقه اندريه  يعترف بهزيمته أمام الحب: "صدقت فراستك، الخيال أضاعني يااندريه، انا شخص شقي وليس الشقاء هو البكاء، وليست السعادة هي الضحك، فانا اضحك طوال النهار لأني لا اريد أن أموت غارقا في دموعي، انا شخص ضائع مهزوم في كل شيء. وقد كان الحب هو آخر ميدان، وخسرت فيه، واذا كنت تسمع من فمي احيانا اناشيد القوة والبطولة، فإعلم اني اصنع ذاك تشجعا لنفسي، كمن يغني في الظلام طردا للفزع.
لقد كان يخطر لي احيانا ان الحب هو العمود الفقري للكون، وان الله لكي يقيم القيامة وينهي الحياة لن يأمر (اسرافيل) بنفخ الصور – كما يقولون عندنا – بل سيأمر (الموت) ليهوى بفأسه على الحب، وبموت الحب على الارض ينتهي العالم".
وفي مقال نشره عام 1962 بعنوان "لمرأة والفن"  يكتب توفيق الحكيم: "اني اذ أتكلم عن الفن، لايسعني إلا أن أعترف  مرغما إن المرأة هي روح الفن، ولو لم توجد المرأة على هذه الارض، فربما وجد العلم، لكن المحقق انه ما كان يوجد الفن. ذلك أن الالهام  الفني نفسه قد خلق على صورة امرأة، وان لكل لون من ألوان الفن عروساً.هي التي تنثر أزهاره على الناس. ما من فنان على هذه الارض أبدع شيئا إلا في ظل امرأة".
ونعود لحكاية محسن ففي عصفور من الشرق حيث عرفت الفتاة سوزي أن اسمه محسن كالببغاء، ونراه في الصباح يفتح عينيه على شبه صوت ملائكي ينادي اسمه.
فيسرع الى النافذة: أتنادينني
فرفعت الفتاة اهدابها الجميلة، في شيء من الدهشة، فارتبك وهو يقول لها
- معذرة، لقد نسيت أن اخبرك انني اشترك مع الببغاء في الاسم
- ورأها تبتسم ورأى جمالها في ذلك الصباح الباكر أنضر من زهر النرجس فتشجع وقال :
- أنا اشترك مع هذا الببغاء في الاسم، ولكن لا أشترك معه في الحظ، ان الفرق بيننا عظيم، انه هو الذي يحظى بعنايتك، فتنادينه وتناجينه، هذا الاحمق الذي لايشعر بمقدار ما يناله من سعادة.. ولهذا لست اطلب شيئا إلا ان اكون مثله بالضبط
•  ولكنك لست في قفص
- آه ياسيدتي.. اني في قفص لايراه الناس.

****
المرأة مخلوق غريب
محاط بالأسرار
وقفت امام وكيل النيابة كشاهدة في قضية محاولة قتل زوج شقيقتها المتوفاة، كانت ذات جمال رائع : " غادة في السادسة عشرة، لم تر عيني منذ وجودي في الريف أجمل من وجهها، ولا ارشق قداً، وقفت على عتبة الباب في لباسها الاسود الطويل كأنها دمية من الابنوس، طعمت في موضع الوجه بالعاج"
ويواصل توفيق الحكيم الحديث عن تأثير جمالها عليه في روايته       "  يوميات نائب في الارياف " :
" رفعت إلي رمشين، ولأول مرة يرتج علي التحقيق، فلم أدر كيف أسألها، ولم يرها كاتب التحقيق، فقد كان موقفها خلف ظهره، فلما لحظ صمتي ظن بي تعبا، فغمس القلم في الدواة وهو يسألها:
- ما أسمك
• ريم
لفظته في صوت هز نفسي كما تهز الوتر أنامل رقيقة، فما شككت في أن صوتي سيتهدج  إنْ ألقيت عليها سؤالا آخر فتتريث، وبدت لي دقة الموقف، وايقنت ببطء التحقيق، إذا قدر لي ان أقف كالدائخ بين السؤال والسؤال ".
المرأة مخلوق غريب محاط بالأسرار، هكذا ينظر اليها توفيق الحكيم، وكل جمالها وسحرها في بعدها عنه، فاذا حدث وانفتح أمامه هذا العالم المبهم وزالت هالة الأسرار، خاب امله  وانصرف  لانه يعتقد ان العلاقة الفاشلة هي وحدها القادرة على ان توقظ روحه وتلهم شياطين فنه  وتعيش طويلا في وجدانه وذاكرته، في كتابه " مدرسة الشيطان " نجد توفيق الحكيم  يتردد كل يوم على مقهى في جبال الالب، حيث استهوته احدى العاملات، وينصرف عن كل شيء الى مراقبتها والاستمتاع بجمال خطواتها ويقول : " ماذا أعطي انا من اجل لحظة تحادثني فيها هذه الفتاة، نعم هنا كل سعادتي ومتعتي ان أسارع في جلب اهتمامها لحظة وان تقبل على محادثتي  ".

*****
 أن تعامليني كطفل صغير
العام 1945 ترك  توفيق الحكيم الفندق  الذي عاش فيه معظم سنوات شبابه، وانتقل ليعيش في شقة مطلة على النيل،  يصفها أحمد بهاء الدين بانها كانت تزدحم بالكتب لكنها تخلو من الأثاث والديكورات.
وفي العمارة المجاورة كانت الآنسة "سيادات" الفتاة جميلة   الهادئة تراقبه.  وترصده بعناية فائقة،  وتخطط للحظة الهجوم المرتقب للفوز بقلب عدو المرأة الذي يهاجمها بشراسة وقسوة فوق صفحات الجرائد والمجلات، كانت الآنسة الجميلة تعرف أن معركتها مع جارها  الأديب المعروف  ليست صعبة فحسب،  بل إن النجاح فيها قد يكون مستحيلاً.
لم تتسرع الجارة الحسناء في بدء معركتها، اكتفت في حجرتها تقرأ كل كلمة يكتبها توفيق الحكيم في الصحف... قضت الساعات الطوال في دراسة مسرحياته... وراحت تتأمل أبطال مسرحياته وتعايشهم لحظة بلحظة... كانت على يقين من أن جارها الملقب بعدو المرأة ليس رجلاً مثل آلاف الرجال الذين تشاهدهم في شوارع القاهرة... لابد أن يكون عبقريا  صال وجال في عالم المرأة فلم تعجبه منهن واحدة ليتزوجها... ويرتبط بها شريكة لعمره.
كانت واثقة من أن جارها الكاتب ليس مجنونا، كما قال في أحاديثه الصحافية حتى يدخل سجن الزوجية بقدميه، أو يجد المجنونة التي تتزوجه!... ضحكت من أعماقها يوم سمعته يردد هذه الإجابة على لغز عزوبيته وعزوفه عن الزواج.،  لقد قرأت له أيضا أنه ترك بيت عائلته ليبتعد عن محاولات أبيه وأمه وضغوطهما عليه ليختار شريكة عمره.
ولم يكن لتوفيق الحكيم صديق من بين كل جيرانه الجدد غير ضابط الجيش، الضيف الوحيد الذي يتردد على شقة  الحكيم  دون أن يضجر منه،  أو يمل حديثه.
ذات يوم قالت شقيقة الضابط لأخيها،  إن زياراته للكاتب زادت على حد الضيافة، والواجب يحتم أن يدعوه لزيارته في شقتها، ولو لمرة واحدة.
نظر إلى أخته الحسناء الشابة وقد بدت عليه ملامح الاقتناع، استطردت الآنسة " سيادات "  قائلة لأخيها: وسوف تكون فرصة   لأتعرف على كاتبي المفضل عن قرب، وأناقشه،  وأحاوره.
ضحك الضابط من ثقة شقيقته في نفسها... ظن أن غرورا مفاجئا أصابها... حذرها من الدفاع عن حواء أمامه. ابتسمت الآنسة " سيادات"  وسألت أخاها عن سر هجوم الحكيم على المرأة... رد الأخ بسرعة... "هذا موضوع يطول شرحه... ولابد أن أخرج الآن لقضاء بعض مصالحي"  
وجاء موعد الزيارة المرتقبة..، ذهب الحكيم بقدميه إلى الكمين الذي نصبته  "سيادات" له، لم يلمح الشراك الخداعية عندما دق جرس الباب ليدخل شقة صديقه الضابط الشاب،  وحتى خرج منها وقد خسر جولة غير متوقعة.،  وانهزم في حرب كان هو فارسها الأول.
وتقول المرأة التي اصبحت زوجة توفيق الحكيم فيما بعد للكاتب مصطفى أمين وهي تصف اللقاء الاول :  " لم أتبهرج لتوفيق لأبهره بجمالي.،  لم أهتم بالبودرة والأحمر،  وإنما تعمدت أن أتبهرج له ثقافيا. وحاولت أن أستعرض أمامه معلوماتي عن كل ما كتب، ويومها ذهل توفيق من اطلاعي الواسع على كتبه ومؤلفاته ومن حفظي لجمل معينة من قصصه ".
ولم يلبث أن أحس الحكيم  أنها تراه الرجل الوحيد في العالم،  وكانت ترى فيه كل الأساطير التي كتبها في كتبه،  وكل الرجال الذين كانوا أبطال قصصه...،  وهكذا دخلت على قلب توفيق الحكيم من باب لم تطرقه امرأة أخرى من قبل،  وإذا كانوا يقولون إن الحب من أول نظرة فقد كانت حكاية  الحكيم تتلخص في جملة هي الحب من أول كلمة.
أدمن توفيق زيارة صديقه ضابط الجيش  أحس أن شيئا  يتحرك في أعماقه، يحرك مشاعره،  ويحركه كالمسحور إلى بيت الجارة الحسناء  حاول أن يمنع نفسه،  وكان يفشل في كل مرة ويكاد يبكي على عرشه الذي اهتز بشدة أمام الآنسة  " سيادات ".
طلبها للزواج ليرضي قلبه، ووضع 15 شرطا قاسيا لتوافق عليها العروس قبل زفافهما... كان يتمنى أن ترفض شرطا واحدا منها ليجد مبررا يقنع به نفسه بالهروب من هذا المأزق العاطفي الخطير، حدد شروطه القاسية  والعروس تسمع إليه  .
قال لها الشروط وهي: "ألا يعرف أحد أننا تزوجنا لأنني أريد أن يبقى هذا الزواج سرا لا تعرفه إلا أسرتك، وألا ينشر هذا الزواج في الصحف لا تلميحا ولا تصريحا.، وأن أسافر وحدي إلى الخارج دون أن يكون لك الحق في السفر معي، ولا نستقبل ضيوفا في بيتنا سواء من الرجال أو النساء، وألا أصحبك في نزهة أو رحلة... وان يكون مصروف البيت  200  جنيه لا تزيد مليما واحدا، وألا أكون مسؤولا عن مشاكل البيت والخدم، وأن تكون مشاكل كل الأولاد من اختصاصك، وأن تعامليني كطفل صغير لأن الفنان طفل صغير يحتاج إلى الرعاية والاهتمام، وأن يكون بيتنا هادئا بلا ضجيج  أو أصوات تزعجني لأتفرغ لكتابه ما أريد،  وأن ينام كل منا في حجرة مستقلة ولا تتدخلي في عملي.
وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها الكاتب أن الجارة الحسناء وافقت على كل شروطه... أعلنت استسلامها أمام كل طلباته...
وتم زفافها إلى توفيق الحكيم الذي كان يكبرها بعشرين عاما... ومع الوقت ألغت بنفسها كل الشروط التي وضعها الحكيم قبل الزواج... وكان الحكيم في غاية الرضا وهو يتنازل عن شروطه شرطا بعد شرط.
ويكتب توفيق الحكيم بعد شهر من الزواج مقالا في اخبار اليوم يتضمن العبارة التالية: "الحب.. ليس غير الحب هو وحده الذي يستطيع أن يجعل حياتك سعيدة".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد:أريش فولفغانغ كورنغولد

صورة سيفو في مرآة الوهايبي

"مُخْتَارَات": <اَلْعِمَارَةُ عِنْدَ "اَلْآخَرِ": تَصْمِيمًا وَتَعْبِيرًا > "لِوِيسْ بَاراغَانْ"

"حماس بوينس آيرس" أول مجموعة شعرية لبورخس

علي عيسى.. قناص اللحظات الإبداعية الهاربة

مقالات ذات صلة

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت
عام

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت

أدار الحوار: مارسيلو غلايسر* ترجمة: لطفية الدليمي ما حدودُ قدرتنا المتاحة على فهم العالم؟ هل أنّ أحلامنا ببلوغ معرفة كاملة للواقع تُعدُّ واقعية أمّ أنّ هناك حدوداً قصوى نهائية لما يمكننا بلوغه؟ يتخيّلُ مؤلّف...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram