| 16 |
جلس ليكتب رواية تدور في بلدته التي ولد فيها عام 1783 ، من أب متزمت وعنيف ، وقاسي القلب ، وأم رقيقة القلب بارعة الجمال ، كان جده لأمه استاذا للفلسفة وخالته اليزابيت شديدة
| 16 |
جلس ليكتب رواية تدور في بلدته التي ولد فيها عام 1783 ، من أب متزمت وعنيف ، وقاسي القلب ، وأم رقيقة القلب بارعة الجمال ، كان جده لأمه استاذا للفلسفة وخالته اليزابيت شديدة الاعتزاز بالشرف على طريقة النبلاء ، فأورثته هذا الاعتزاز او على حد تعبيره :" انها كونت قلبي ، فنقلت اليَّ طريقها في الإحساس ، مما كان سبباً في ارتكابي سلسلة من الحماقات السخيفة ، بدافع من مراعاتي لمقتضيات ذلك الخلق السامي " أما خاله رومان فقد كان دون جوان ، فحاول ان يلقن ابن شقيقته فنون الحب العابث .
بين دون جوان وفرتر
لكن ماري - هنري بيل الذي اتخذ من ستندال اسما ادبيا له ، لانه كان يكره اسمه الحقيقي الذي يذكره بقسوة أبيه الذي كان يضطهده ، نشأ معتنقا فكرة راسخة ظلت ترافقه طوال حياته ، وهي أن الانسانية تتألف من نوعين من البشر :" احدهما خبيث ، لكنه يتحدث دائما عن الفضيلة وهو يمارس أقذر الاشياء ، والآخر ذوي النفوس السمحة الذين تفيض قلوبهم حباً ورحمة للآخرين " ، وبرغم من أن ستندال كان مهووسا بالقوة وكتب مرة إن :" الضعاء في نظري مجانين " ، وفي شخصيات رواياته أمثلة كثيرة تعبر عن هذا العنف ، فهناك التي تقتل حبيبها ، والتي تدس السم لعدوها ، وآخرى تقبل شفتي حبيبها الميت ، لكن صاحب هذه الروايات والمواقف كان انساناً خجولاً ، ما ان يلتقي بامرأة لأول مرة حتى يرتجف في البداية ، ويتصور بانه يقترب من حافة الهاوية ..كان كلما ينظر الى وجهه في المرأة ، يتذمر من الشبه الكبير بينه وبين ابيه ويدمدم : " ياله من وجه كوجه الكلاب " . وجه احمر خشن يفتقر الى الرقّة ، الأنف مكور كبصلة ، العينان على جانب كبير من القبح ، فوقهما حواجب ثقيلة ، ماذا بقى في هذا الوجه من خصلة جميلة - سأل نفسه - وتذّكر إن بطل روايته الجديدة جوليان سوريل ، شاب جميل تعشقه النساء ، إلتفت ناحية الأوراق المتناثرة على المكتب ، كم تمنى ان يصحو يوماً فيجد نفسه وقد تحول الى جوليان آخر ، بلا كرش منتفخ وساقين مفرطتين في القصر ، كان زملاؤه في المدرسة يسمونه "البرج المتنقل"، لكن الكتابة أصبحت شيئاً ثقيلاً ، طقساً بطيئاً يدوم كل يوم من الصباح حتى ساعات الغروب الاولى ، منذ ستة اسابيع لم يكتب سوى صفحات قليلة من هذا العمل المتعب "الاحمر والاسود" ، كان والده يريد منه ان يصبح محامياً ، ولم ينقذه من هذا المصير سوى وفاة والدته . يكتب في مذكراته إن طفولته كانت تعيسة بسبب تزمت والده الذي كان يرفض الاختلاط ، أحب الثورة الفرنسية ، وحين دخل أبوه ذات يوم يحمل خبر اعدام لويس الرابع عشر وهو يصرخ " قتلوه الجبناء " يقول ستندال :" لقد جرفتني موجة من الفرح الطاغي ، لم أحس لها مثيلا في حياتي " .
في حياته التي لم تتجاوز التاسعة والخمسين عاما ، ظل ستندال حائراً في مفهوم العلاقة مع المرأة ونراه يكتب في احدى رسائله :" هل المطلوب من الرجل أن يسلك ازاء المرأة مسلك فرتر بطل غوته ، العاشق الولهان الحزين ، او مسلك دون جوان ، العاشق الذي يتميز بالشجاعة والصراحة والحيوية وخفة الروح " .
يؤكد معظم نقاد الأدب ان شخصية ستندال وأبطال رواياته تجمع بين النموذجين ، فهو في مرات عديدة يجد أن الحب على طريق فرتر يُمكن العاشق من الاستمتاع بالمشاعر الخيالية العذبة ، اما الدون جوان فهو يتمتع بالحب مثل تمتع القائد العسكري بالانتصار في الحرب ، وقد ظل ستندال طيلة حياته يتأرجح بين شخصيتي فرتر ودون جوان ويحلم بامرأة تبادله عاطفة مختلفة عن تلك التي يجدها عند معارفه واقاربه ، لكن حلم الارتباط بالمرأة النموذج لم يتحقق ، فظل ستندال يحب الحب نفسه ، كتب مرة يقول " طالما كان الحب بالنسبة لي أهم شيء ، بل الهدف الوحيد المهم في حياتي " ونجده يخصص كتابا لمشاعره ومفهومه للحب اسماه " في الحب " حيث يشرح فيه نظريته الخاصة والتي تتلخص بان هناك نوعين من الحب ، الحب العاطفي ، والحب الجسماني ، ويؤكد ستندال ان الحب الاول هو وحده الحقيقي وهو يولد ويتطور بشكل تدريجي
1- في البداية يولد الاعجاب
2- ثم يقول العاشق لنفسه :" اية متعة في ان أقبل هذه المرأة وتقبلني " .
3- ثم تبدأ بعد ذلك مرحلة الأمل
4- وبعد الأمل يولد الحب
5- بعدها تبدأ مرحلة " التبلور " وهي المرحلة التي يطلق فيها المحب على محبوبه ألف صفة وصفة من صفات الكمال . في تلك المرحلة يختفي شخص المحبوب الحقيقي تحت طبقة من الصفات الوهمية التي يسبغها عليه الخيال غيابيا ، واثناء هذه المرحلة يخطر ببال المحب شخصية المرأة الحبيبة في كل مناسبة .
6- ثم تأتي مرحلة الشك ، فيسأل المحب نفسه : " ما الذي يثبت لي انها تحبني ؟ وانها ستظل تحبني " ، فاذا استطاعت المرأة ان تقتل بذور الشك في قلب الرجل ، وأمنته على حبها ، نجد هذا الحب يتعرض للسأم والملل .
ويرى ستندال إن الرجل هو الذي يهاجم في الحب ، بينما المرأة تتخذ موقف المدافع ، هو يطلب وهي ترفض ، هو الذي يبدي شجاعة في كل المواقف ، بينما تتحصن المرأة وراء خجلها ، وهذه المقاييس التي يضعها ستندال لعصره ربما لم تجد لها رواجا في العصر الحديث .
****
هل يمكنني أن أكون عاشقاً ؟
جوليان سوريل بطل "الاحمر والاسود" شاب طموح عنيف المشاعر ، ابن لبرجوازي صغير ، تدفعه الظروف الى ان يدخل سلك الرهبنة الذي يتيح له فرصة التأمل ، لا سيما بعد هزيمة جيش الإمبراطور نابليون بطله المثالي خلال جميع مراحل العمل. خلال دراسته وتهيئته ليصبح قساً، يعرض عليه محافظ بلدته السيد راندال تدريس أبنائه. يرى جوليان في هذا العمل فرصته للدخول إلى الطبقة الارستقراطية ، وبلا تردد يعمل على إغواء زوجة راندل ، امرأة لم تعرف الحب من قبل ، وبفضل جهلها كانت تشعر بسعادة في حضور جوليان ، فتركت نفسها تنجذب اليه دون أن تشعر ، حتى اكتشفت الحقيقة ذات يوم فنجدها تسأل نفسها :" هل يمكن هذا الذي أحسه نحوه ..هو الحب ؟ " . وأشعرها هذا الاكتشاف بالقلق وبالسعادة في نفس الوقت ، وتغير في نظرها وجه العالم المحيط بها ، فبعد أن كانت تعيش برتابة ، اكتسى العالم من حولها فجأة بالضياء والسعادة ، أما جوليان فقد تأكد ان هذه العلاقة ستحقق له جزءا من السمو والارتقاء .فالمسألة أكثر منها مسألة حب فيجعل همه ان يكمل السعي نحو هدفه الدخول الى هذا العالم الارستقراطي . ويغمر جوليان شعور غامر بالسعادة ، لا لأنه يحب وإنما لأن عذابا رهيبا قد انتهى ، واعقبه شعور بالانتصار ، انه مازال في مرحلة الحب من أجل الزهو ، أما مدام دي رينال فهي على العكس منه ، وتسأل نفسها حائرة :" ماذا هل يمكن ان أكون عاشقة ؟ ، انا المرأة المتزوجة ؟! إنني لم احس يوما نحو زوجي شيئا من هذا الجنون الأسود الذي يجعلني لا اريد أن أبعِد جوليان عن خاطري ! ..ثم انه فتى يملأ نفسه الاحترام والتوقير لي ..كلا إن هذا إلا محض جنون عارض سوف ينقضي " .
ينجح جوليان في مسعاه ويصبح الاثنان عاشقين، يشيع أعداء المحافظ الأقاويل حول غراميات السيدة رينال مع الشاب جوليان . ولتجنب الفضيحة ينقل الشاب إلى دير بيزانسون. وفي الدير يستطيع جوليان أن يحظى بإعجاب مديره جيرارد الذي يشجعه ويدعمه ليكون كاهناً نظرا لمثابرته وتميزه على أقرانه.
ومع تجاوزه لزملائه في تحصيله يثير حفيظة القساوسة والتلاميذ على حد سواء، وحينما يقدم المدير استقالته نظرا لعزوفه عن مشاركة الكنيسة في المؤامرات السياسية يدرك بأن جوليان سيفقد حمايته، وعليه يرشحه لصديقه الماركيز دومول ليكون سكرتيره الخاص.
وسرعان ما يدرك جوليان بأن منصبه الجديد سيساعده ثانية على دخول أوساط النبلاء الذين كانوا يصرون على تجاهله، وعليه لم يتردد في اغتنام الفرصة الجديدة حينما أظهرت ابنة الماركيز ماتيلدا إعجابها به. وعندما تكاشف ماتيلدا والدها بأنها حامل من جوليان، يرضخ لطلبها بأن يمنح حبيبها لقباً رفيعاً وأن يبارك زواجهما نظرا لحبه الشديد لها.
وما أن يشعر جوليان بأنه كاد يحقق حلمه بالكامل، حتى تصل رسالة من السيدة راندال إلى الماركيز تخبره فيها بأنه شخص انتهازي ودون جوان وضيع ولا هدف له سوى جمع الثروة. وهكذا ينهار حلمه ، مما يثير غضبه ويدفعه إلى التوجه مباشرة إلى بيت رندال ، وبلا تردد يطلق رصاص مسدسه على السيدة راندال التي تنجو باعجوبة ، لكن المحكمة تصدر عليه حكما بالإعدام. وفي المرافعة تصل حبكة القصة إلى ذروتها حيث يكشف ستاندال عن واقع المجتمع الفرنسي في تلك الفترة من خلال خطاب جوليان الذي يبين بأن حكم الإعدام الجائر عليه إنما بهدف اجهاض حلم كل كل فرد في المجتمع من أبناء الطبقة الفقيرة من ان يرتقي في المجتمع .وقبل إعدامه يكتب جوليان رساله الى خطيبته يخبرها فيها بان حلمه كان مجرد طموح زائف جرده من حياته الحقيقية ، ويخبرها بان حبه للسيدة رينال كان صادقاً.
××××
حروف 11 امرأة
هل ذاق ستندال الحب ، هذا السؤال يطرحه معظم الذين قرأوا رواياته ، وهم يتنقلون في صفحات من الحب العنيف الذي يعيش فيه أبطال هذه الروايات .
كانت أول امرأة اثارت اهتمامه ، ممثلة شاهدها على احد المسارح تدعى " مدام كابلي " لكنه كان حبا ساذجا ، ومن طرف واحد ، كان ستندال انذاك في السادسة عشرة من عمره ، يتردد على المسارح بحثاً عن هذه الممثلة ، واذا ذكر اسمها امامه يحمر وجهه ، وتشاء الصدف ان يلتقيها مرة واحدة فأغمي عليه من المفاجأة ..لكنه يلتقي بزميلة لها وهي ممثلة مغمورة تكبره بثلاثة اعوام ، يصاب من ورائها بمرض تناسلي عانى منه حتى آخر يوم في حياته .
بعدها نراه يهيم عشقاً بفتاة تدعى " فكتورين " ، كانت أخت احد اصدقائه ، لكنه لم يلبث أن تركها من اجل عيون امرأة جميلة تكبره بعشرة اعوام اسمها " انجيلا " ، سرعان ما تخلصت منه . في باريس التي وصلها بداية عام 1800 ، كان يبحث عن حب جديد فوجده في " ميلاني لوزان " ويصف لنا في يومياته اللقاء الاول معها :" ذهبت لزيارة ميلاني ، وانا أرتجف ، وكلفتني باشعال النار في المدفأة ، فسرتني هذه المهمة ، الدالة على رفع الكلفة ، وبقينا معا حتى ساعة متأخرة من الليل .كنت سعيداً جداً ، وودت لو احست هي بمثل سعادتي ، كانت رائعة وهي تسرد لي اقاصيصها الطريفة ، وقد جلست قبالتها أحدق في عينيها ، ولابد انها أحست بمدى الانفعال الذي أثارته روحها الرقيقة فيَّ ، أن الفرح الذي ظهر على وجهها يثبت انها تحبني ! اما أنا ، فحسبي أن فمي وحده هو الذي تكلم ، بينما كان قلبي مشغولاً " .
وبعد ايام يصف زيارة اخرى لها : " اني عائد تواً من عند لوزان ، ويخيل إلي اني لم أكن في يوم من الايام سعيدا مثلما كنت اليوم ، وانا ألبس سترتي الأنيقة ورباط رقبتي الفاخر ، وقبعتي الجديدة ، ولساني منطلق لايتلعثم ، لقد سرقت روحي من خلال حديثي ، فأنستها قبح وجهي ، واشتركت اناقة ثيابي في اخفاء ملامحي المنفرة " .
وظفر ستندال بلوزان اخيرا ، وحين سافرت الى مرسيليا عام 1805 لحق بها ، لكن ظروفه المالية اضطرته بعد فترة الى العودة الى باريس ، وهناك يتعرف على مدام رو زوجة صاحب العمل ، حاول ان يفاتحها بحبه ، لكنه خاف من غضب الزوج ، وفي هذه الاثناء يلتقي ثانية بحبه القديم انجيلا ، والتي كانت قد تزوجت ، وقد تذكرته بصعوبة ، بعد ان أخبرها انها كانت تطلق عليه في الماضي لقب " الصيني البائس " ، وحين يعترف لها بحبه تسأل مستغربة : " لماذا لم تصارحني بحبك يومئذ " . وتتوطد العلاقة بينهما ، لكنه يكتشف انها تخدعه ، وقد وصفها في يومياته بانها :" كانت سمراء رائعة ، حادة الشهوات ..وخليلة مثالية ..لكنها تحمل قلب شيطان " .
وعلى إثر انفصاله منها ، يقع في قصة حب جديدة ، هذه المرة فتاة شابة تدعى " ماتيلد " وقد اضافها الى قائمة محبوباته التي بلغن احدى عشر ، واللواتي راح يتسلى في آواخر حياته ، برسم لوحات كبيرة عليها حروف اسمائهن ليعلقها في البيت .
إلا ان من بين هذا العدد من النساء والفتيات ، هناك قلة مَن بادلنه الحب ، اما الباقيات فهو يتحدث عنهن باعتبارهن يحملن عواطف متواضعة ، والواقع ان ستندال كان متواضعا حتى في اختياراته ، فمعظم اللواتي عشقهن كن جميعا متوسطات الجمال ، فقد كان لايولي اهمية لجمال الشكل قدر عنايته بجمال المشاعر فكتب عن ميلاني انها :" ليست جميلة ، لكنها سامية " ووصف اخرى بقوله :" لم اكن اتصور ان مثل هذه المشاعر الجميلة يمكن ان توجد على الأرض " . والواقع ان اولئك النساء اللواتي ملأن حياة المسيو ماري - هنري بيل الملقب بستندال ، هن اللواتي ملأن فيما بعد روايات ستندال وقصصه بحكايات الغرام .
***×
فن الحب
يكتب اريك فروم في كتابه الشهير " فن الحب " ، ان ستندال أراد في كتابه عن الحب ، أنْ نحب من دون أنْ نعرف كيف نحب يجرح مَنْ نحب ، إنه يقدم لنا عاطفة مُربكة إلى أقصى مدى من خلال رواياته التي دائماً ما تطرح الحب جانباً بوصفه شيئاً يحدث لنا بتأثير سلبي ومُصادفة، شيئاً نقع في شباكه، يُصيبنا كسهم، وليس ممارسة بارعة نُنَميها بمهارة دقيقة كأية حرفة تتطلب تفوقاً إنسانياً. لعل فشلنا في الاعتراف بجانب البراعة هذا هو السبب الرئيس في أنَّ الحب يمتزج بالإحباط.
ويضيف فروم ان ستندال يريد أنْ يُبيِّن أنَّ الحب ليس عاطفة يمكن لأي إنسان أنْ ينغمس فيها، بغض النظر عن مستوى النضج لديه ، إنه يريد أنْ يُقنع قراء رواياته بأنَّ كل محاولاته لنيل الحب مصيرها الفشل، إلا إذا حاول بكل حماس أنْ يُطوّر شخصيته كلها، وذلك لكي يُحقق توجّهاً مُثمراً، وأنَّ الإشباع في الحب الفردي لا يمكن بلوغه إلا بالقدرة على الحب بمذلّة حقيقية، وشجاعة، وإيمان وانضباط.
العام 1841 وفي أحد شوارع باريس كان الرجل الضخم الجثة يجر قدميه بصعوبة ، يتذكر تلك الأيام الجميلة حين كان يصوب بصره الى النساء ، أما الآن فالبصر تعبان واليد ضعيفة ، والعينان ترقدان خافتتين ، شفته السفلى ترتعش ، فقد أصيب قبل ايام بنوبة دماغية مؤلمة ، لم تعد باريس كما كانت يوم وصلها وهو شاب صغير ، تغيرت كثيرا ، هاهو الموت يتقرب اليه ، ينقل نظراته المتعبة بين المتنزهين ، يقترب من احدى النساء التي تسأله وهي تبتسم عن مهنته فيجيبها بصوت متقطع : "انا مراقب القلب البشري" ، وما أن يتركها ويسير خطوات حتى ينهار وقد جحظت عيناه وإزرقّ وجهه ، لقد اصابته النوبة من جديد ، يتجمع المارة حوله ، ثم يحملونه الى غرفته في الفندق ، حيث الأوراق تتوزع على المنضدة وعلى احداها كتب : " 12 آذار باريس 1841 لا اجد شيئاً مضحكاً في ان أموت في الشارع ، مادمت لا أفعل ذلك عامدا."
احب ستندال النساء منذ طفولته ، وقد كان يحب ان يتخيل نفسه منقذا لامرأة مجهولة جميلة من الخطر ، وحين وصل باريس كتب لأحد اصدقائه : "ما أبحث عنه امرأة ساحرة وسوف أعبدها مثما أجعلها تعرف أسرار روحي." وعندما تقدمت به السن كان يكتب في أوراق ملونة الأحرف الاولى من اسماء النساء اللواتي احبهن ، لقد كانت النساء شغفه الرئيسي وجوهر حياته .
الصديق الرقيق للنساء ،كما اطلقت عليه سيمون دي بوفوار، لم يكن يؤمن بالغموض النسوي ، وكان يذوق متعة التأمل أمام المرأة ، وهو مسحور بها كما يسحره المنظر الطبيعي او اللوحة الفنية : "من المستحيل فهم رقة النساء وحساسيتهن وحرارتهن من غير أن يصبح الرجل بدوره ذا روح رقيقة وحساسة وملتهبة ، فالعواطف النسائية تخلق عالماً من ظلال الألوان ومتطلبات يكون اكتشافها مثرياً للرجل " .
ان ستندال على الرغم من امتداحه كثيرا كطبيب للنفس البشرية ولعلاقات الحب ، فانه يبدو لنا اليوم اشبه بفيلسوف في بحثه عن الحقيقة الواعية للرغبة وهو يرى ان الغرور والزهو الباطل ، هو محور الحب العاطفي ، وبالواقع اذا وقعت أنتَ قارئ ستندال في الحب ، فكل شيء في حالتك لايعد مرضا بل غرورا وزهوا باطلا ، انه شكاك يؤمن بالحب " تلك هي خلاصة رأي بول فاليري في ستندال .