يمكن اعتبار الصحف مرآة لما يجري في أيّ بلد، سواء كانت موالية للنظام أم معارضة أم بينَ بينْ، بعد سقوط الدكتاتورية عام 2003 وبتدخل خارجي مع الأسف، لعجز بنيوي ومفاهيمي للحركة الوطنية العراقية، إضافة لقمع النظام الدموي. استبشرنا خيراً بما هو آتٍ، لكن الس
يمكن اعتبار الصحف مرآة لما يجري في أيّ بلد، سواء كانت موالية للنظام أم معارضة أم بينَ بينْ، بعد سقوط الدكتاتورية عام 2003 وبتدخل خارجي مع الأسف، لعجز بنيوي ومفاهيمي للحركة الوطنية العراقية، إضافة لقمع النظام الدموي. استبشرنا خيراً بما هو آتٍ، لكن السماء تلبدت بغيوم صحافة طائفية وعنصرية وقومية لا ترى غير نفسها. كانت صحيفة طريق الشعب الصحيفة المركزية للحزب الشيوعي، أو مطبوعاً ورقياً تناوله الناس بعد التغيير بيوم واحد، لكن طريق الشعب محكومة بضوابط ومقاييس، لا تستطيع الخروج عنها، بسبب ارتباط الحزب بعلاقات منوعة مع سائر القوى السياسية الصالحة منها والطالحة، وهذا ما جعلها لاتنشر كل ما يجب نشره وألتزمت بلغة دبلوماسية الى حدٍ ما، وبعد صدور (المدى)، ظهر لنا صوت مختلف نسبياً اكثر جرأة وأقل إلتزاماً بالمحذورات، فبدأت في الحديث المكشوف وفضح العديد من الممارسات وحتى الشخصيات المتنفذة في السلطة، فكانت متنفساً إضافياً ووجهاً آخر لتعميق النقد والتأشير على الخلل الذي بدا واضحاً في طبيعة السلطة الجديدة في العراق.
وبسبب هيمنة الفكر الطائفي والعنصري على الجو الثقافي والمعرفي العام، تبدو لي ما تقدمانه طريق الشعب و(المدى) من مواد ثقافية ومعرفية بالغة الأهمية، وهنا يأتي دور الصفحات الثقافية للمدى، كونها اكثر تحرراً من غيرها في تتبع النتاج المعرفي العراقي والعربي والأجنبي أيضاً، وهي هنا الى جانب طريق الشعب وبعض الصحف التي تعني بالثقافة، تمارس دوراً يشبه المصد والمواجهة لما تطرحه الصحف التي تنشر افكار الماضي القاتم والحزين والدموي عموماً، حتى لو كان من باب التذكر او التوجع او التنبيه، فالثقافة سلاح مهم ولها بعد مستقبلي غير منظور، في هذه الفوضى التي يختلط فيها الغث والسمين وبتداخل غريب، بحيث لا يمكننا أن نقدر خطورة المرحلة وتبعات المفاهيم التي تنتشر فيها ويتغذى عليها شعب كامل، لابد من الإشارة هنا ايضاً لدور ملحق "تاتو" المميز والمواد التي يقدمها للقارئ العراقي وطبيعة التوجه الديمقراطي والحديث النظرة، للأمور والمعاني، أعتقد أن استمرار الصفحات الثقافية في الصحافة العراقية وخاصة (المدى) وطريق الشعب، يعتبر تحدياً كبيراً لما يراد لنا أن نجترّه من قيم بالية وأهداف عدائية وانعزالية، في جو موبوء بالفساد والخراب والجريمة، وتعتبر الصورة وبخاصة صورة المرأة في هذه الصحيفة ذات دلالة كبيرة في التعبير عن الضد المطلوب لما يخطط له من شروط قاسية ومريضة لحياة الأنثى العراقية التي تتطلع لعالم آخر مملوء بالجمال والفتنة والربيع، وأتمنى أن تهتم هذه الصحف كذلك بموضوع التربية والتعليم بشكل خاص وتقدم دراسات وبحوثاً لما وصلت إليه الحالة المزرية في هذا الجانب في عراقنا المبتلى .
فيصل لعيبي