افتتح الأمسية الفنان التشكيلي يوسف الناصر مرحّباً بالحضور الكرام، منوهاً الى الجهود التي يبذلها المقهى من أجل نشر ثقافة لها طعمها ومكانتها الخاصة في الإبداع العراقي. ذاكراً ما تلاقيه النشاطات الثقافية من معوقات نتيجة الحاجة وقلة الإمكانيات. ومع
افتتح الأمسية الفنان التشكيلي يوسف الناصر مرحّباً بالحضور الكرام، منوهاً الى الجهود التي يبذلها المقهى من أجل نشر ثقافة لها طعمها ومكانتها الخاصة في الإبداع العراقي. ذاكراً ما تلاقيه النشاطات الثقافية من معوقات نتيجة الحاجة وقلة الإمكانيات. ومعرفّاً بالضيفين الكريمين ودورهما في النشاط الإبداعي في المنفى . شارحاً أن الأمسية ستكون من جزئين أدب وفن تشكيلي. وذكر يوسف أن كريم النجار شاعر وفنان وكاتب متعدد الاهتمامات وله موقع مهم على الأنترنت، استمر أعواماً عديدة وهو موقع (أدب وفن) وكان موقعاً جاداً وقدّم نصوصاً مهمة ودراسات ونقوداً لمختلف جوانب العملية الإبداعية، وهو أيضاً كاتب في التشكيل العراقي ومتابع مهم لقضايا بلده ومن موقف منحاز للتقدم والديمقراطية واليسار. وقد قراً مقطعاً مؤثراً من قصيدة للشاعر والكاتب كريم النجار التي يرى فيها امتزاج الشعر باللون :
" أفكر بكِ
بالغربان وهي تنزع سوادها
بالنوارس البيضاء وهي تسرح فوق دجلة
رغماً عن مياهها التي طفت عليها جثة مجهولة
باللافتات الحمراء يلوح بها رجل غارق في موجةٍ سوداء
بالسواد الذي تتوشح به جدران بلدي
ويطيحُ بكِ انتِ وحدكِ
حين تستبدلين ألألوان الفاتحة بأشد سوادٍ منها "
ثم دعا الشاعر كريم لإلقاء بعضاً من نتاجه الشعري
وقد شكر الشاعر كريم المقهى على الدعوة واعتزازه بها، مشيراً الى دوره في الوسط العراقي في المغترب، ورحب بالحضور وسعادته في أن يكون بينهم، بعدها قرأ مجموعة من نصوصه التي تتناول هموم العراقيين وآمالهم، منها:
" الزجاج الذي تهشم من نافذتي
وشباك بابك لن يصلحه قليلاً
كلما أصلحناه سقط طير جريح من شظاياه
وكلما لملمنا ريش الطائر يتهشم الزجاج مرة أخرى
لا قدرة لنا بعد أن نجمع الزجاج والريش
ونعيد ترتيب المائدة
فلنجعل التوبة من تحكم حياتكِ وحياتي
لن أقع في الخطأ والتكرار مرة أخرى
تكفيني حياة واحدة
واحدة مثل نفس عميقٍ في الحقول."
ومن قصيدة ثانية هذا المقطع:
"سَتَقْتُلُنِي.. تَقْتُلُنِي
حَتْماً
هَذِهِ البَهْجَة الفَائِضَة
كُلُّ هَذَا الخِذْلَانِ وَأَنَا مُبْتَهِجٌ
الصَّوَاعِقُ وَوَمِيضُ الاِنْفِجَارَاتِ
الَّتِي تُحَدَّثُ فِي رَأْسِي
وَأَنَا مُبْتَهِجٌ
الجُنُونُ الَّذِي يُغَطِّي مزَارِعَ الأَرْضِ
وَيُحَوِّلُهَا لِبَرَارِيَّ قَاحِلَةٍ
الضَّوْءُ الَّذِي يَنْحَسِرُ كُلَّمَا زَحَفَتْ
جُيُوشُ الظَّلَامِ
يَبْهَجُنِي
صُرَاخُكُمْ وَصِرَاعُكُمْ
وَأَنَّين الثكالى
وَالفَوْضَى الخلاقّة الَّتِي يَهِبُهَا لَنَا العَمُّ سَامْ بِكَرَمِهِ المُعْتَادِ
تَبْهَجُنِي
وَيَبْهَجُنِي فِيكُمْ
أَنَّكُمْ تَسِيرُونَ نَحْوَ هَاوِيَةِ العَقْلِ
كَمَا فَعَلَتْهَا قُبَلُكُمْ
قَبْلَكُمْ منذُّ قُرُونٌ "
ثم جاء دور الشاعر ناجي رحيم، الذي تحدث عنه الفنان يوسف الناصر كونه شاعراً غير مجامل للقارئ ويعبّر عن مواقفه بصراحة ولا يخاف الجمهور ويقدم نصوصاً جريئة، منها مثلاً هذا المقطع من نص:
لن أسكرَ بعد اليوم أبداً،
لن أغضبَ دونما سببٍ ثمَ أهرشُ روحي بحثاً عن أسبابٍ لأعتذر،
لن أتحدّث عن شيءٍ لا يأبه به سواي،
لن أصمتَ وأحجارُ الكلام ترطمُ رأسي،
لن أتغابى في مطّ كلماتٍ لا أعنيها
في القرن القادم لا يهمّ إن ثملتُ كالعادة ونسيت كلّ شيء
سيكفي أني فكّرت
وقد عبر الشاعر ناجي رحيم أيضاً عن سعادته بوجوده بين هذه الجمهرة من الحضور، ومن قصائده نختار هذا النصّ المؤثّر :
لقد فكّرتُ مراراً
لم أنا منكودٌ هكذا وما أكتبُ لا يرشحُ منه الماءُ
فكّرتُ أن أكتبَ عن أفراحٍ قادمةٍ
عن مشاريعَ أنجزُها اليومَ أو غداً
أو عن زميلة العمل الهولندية وكآبتها المعمّرة بسبب ضياع قطّتها
عن شيءٍ ملموسٍ لا يحتاجُ إلى تهويماتٍ لغوية
أن أكتبَ عن ذكرياتٍ ناعمةٍ
عن الرائعة " نور" مثلاً زميلة دراسة اللغة الهولندية
وكيف كانت تغمرُ نهاراتيَ بعطايا أنوثتِها الفيّاضة
وحتّى في الليالي إذا غابت عينُ
تأتي وفي عينيها أنهارٌ من العطش
لمَ لا أكتبُ عن تلكَ الأفراحِ البيضاءِ إذن
وأطردُ عنّي أشباحَ الأحزان
وفيما أنا أتشبّثُ بأذيالِ الفكرة
إذا بالهاتفِ يرنّ
كان صديقاً على الجانب الآخر من الأرض
ملتاعاً يطلبُ مساعدتي في فكّ طلاسم هذا اللغز:
لم الأحزانُ تُطاردُنا وسعلاةُ النغز تتربصنا منذ دهور؟
يسألني أنا عن هذا اللغز
أصغيتُ له
أصغيت
ورميتُ الفكرةَ عبر نافذة الليل .
جاء القسم الثاني من الأمسية والتي قدمها الضيف كريم النجار حول تجربة ثلاثة من فناني العراق الذين يشتركون بمواصفات متقاربة ومروا بتجارب متشابهة وعانوا كثيراً من العوز والغربة والعزلة نوعاً ما. وهم الفنانون الراحلون : محمد مهر الدين و أرداش كاكافيان وفائق حسين.
تحدث المحاضر عن دور كل منهم بعجالة بسبب ضيق الوقت، مشيراً الى دورهم في إغناء التجربة التشكيلية العراقية وتقديمهم رؤية مختلفة نوعاً ما عما هو سائد وعام في الحركة، كما اشار الى الفنانين الذين غادرونا والخسارة التي منيت بها الحركة التشكيلية من خلال فقدانهم وقسم منهم في بداية نضوجهم وتوهجهم الملفت للنظر، كذلك الى ضياع نتاجهم وبعثرته في المنافي وعدم ارشفته حتى هذه الساعة.
كانت الأمسية شيقة حقاً وعبّر العديد عن أسفه لانتهائها وطالب البعض بأن تخصص لكل من الضيفين أمسية خاصة به ويُحدد موضوع واحد، كي تتم الفائدة.