TOP

جريدة المدى > عام > حلبجة تذهب إلـى بغداد

حلبجة تذهب إلـى بغداد

نشر في: 7 أغسطس, 2017: 12:01 ص

ترجمة: هيوا عثمان
 
(إلى خان شيخون) اليوم يلتقي شتاء أعينناباصفرار ربيعٍ مهول.اليوميعود موسم اختلاط الرماد بالبراعماليومموعد رؤيتنا لعرس البكاءوقامة حلبجة المغطاة بالخشخاشأهذا نحيب شجرة التوت المحنية في المأتم ؟أم صراخ الحجارة؟أم هدير الصدى؟ال

ترجمة: هيوا عثمان

 

(إلى خان شيخون)
اليوم
يلتقي شتاء أعيننا
باصفرار ربيعٍ مهول.
اليوم
يعود موسم اختلاط الرماد
بالبراعم
اليوم
موعد رؤيتنا لعرس البكاء
وقامة حلبجة المغطاة بالخشخاش
أهذا نحيب شجرة التوت المحنية في المأتم ؟
أم صراخ الحجارة؟
أم هدير الصدى؟
اليوم
موعد زيارة سارا  مولوي
عندما تحمل لحيته
الشعر والنرجس
ورؤيته الغضة
المليئة بالنور.
تصبح قنديلا لله
والقنديل يبكي.
اليوم لقاء
يجمع دقائق ساعة السم
وسكون أمواج الجسد.
موعد وموعد وموعد!
اليوم
جميعنا،
بكبيرنا وصغيرنا
بنبتاتنا وأوراقنا
وورودنا وعصافيرنا
وأطفالنا وأغصاننا
واعشابنا وبراعمنا
وأشجارنا الفتية والهرمة
وكرومنا وصنوبرنا
ونسائنا
 وهموم غاباتنا
وشعرها الأشعث،
نصبح غابة ونهراً
وبحيرة وبساتين
ونتوجه من جميع الجهات
الى نبع العشاق  في حلبجة
ونحني رؤوسنا هناك
من أجل كرنفال الضحايا.
اليوم
كلنا شوارع المدينة وأزقتها
كلنا: كتب وصحف
ولوحات
ومسرح.
سنحول أجسادنا الى بيانو
ونقف أمام مرآة شنروي
لكي تنسج تاج الورد لشَعرها
وتحرك آلامنا مع رياح
الحسرة الغائمة.
اليوم
أحاسيسنا طيف
يذرف من رقبته
الندى والحسرات الخفية.
اليوم
ندخل مجدداً
سحابة همٍ
تغطي هذه البلاد
من رأسها
حتى اخمص قدميها.
اليوم
ندخل مرة أخرى
شبكة غدرٍ حاكتها لنا
الدنيا كلها وتآمرت.
الشبكة طارت
في سماء عزلتنا
وأصبحت طائرات سم.
ندخل مجدداً في
الدهشة والعزلة والغربة
في بيتنا.
نذهب الى أرملة
في عراء مشلول
تحول إلى رماد تمثال!
أمام حدود الله
أمام العدالة
أمام اعلان الحقوق.
دمعةٌ كنهر سيروان
آهةٌ كالاعصار
صمتٌ بجسد حجر
جريمةٌ تشبه الزمان.
نعود الى جرحٍ
طوله: خارطة كل كردستان
عرضه: تاريخ اجسادنا الممزق
وعمقه: عمق كل الكارثة.
كان السادس عشر من آذار
كان السادس عشر.
السادس عشر من ربيع مقطوع من المنتصف
السادس عشر لآلاف توابيت الورود
السادس عشر من الصدى
السادس عشر لاعبائنا
السادس عشر لسواد الذاكرة.
ذاكرةٌ
في مرايا السفر المهشمة
حين تحول طيراً الى مومياء.
كان السادس عشر من آذار
كان السادس عشر
عندما اصبح يوماً خنجراً
غرسوه في قلب مدينة.
السادس عشر من آذار
شحوب الماء
خرس الجبال
عمى الشمس
هذيان الحجارة
جنون الأشجار
حصار الله
ومن هناك
قهقهة دكتاتور!
تحديق في مفكرة سوداء
لعصرٍ
كانت فيه الدنيا كلها
من الشرق الى الغرب
تدس السم
وتحوك شباك الغدر.
أمام الانفال والقيامة
لم يكن للعالم كله عين
ولا فم ولا اذن.
نعود الى سماء
السادس عشر من آذار
عندما تتهاوى مدينةٌ
وتنتهي ابتسامة النرجس
كما تنتهي
ابتسامة زهر اللوز
والأطفال و الجداول.
ولكن هنا
وعلى حافة هذا الموت،
من اغتيال الماء،
من اغتيال الورد،
ومن جسد حلبجة الشاحب،
نبتت زهرة قمح.
هذا الجسد
أصبح شمعة،
مظلمة من الداخل
وتضيء ما حولها.
مدينةٌ ترفع
باختناقها
صوت العالم كله.
عشقٌ يجلب باحتراقه
عشاق العالم
الى شهرزور
مدينةٌ
تعرِّف بموتها
العالم علينا.
وتزرع
بذور الشمس
وقرع الأجراس.
مدينة بموت ينابيعها
هزت بحار العالم
ومحيطاته.
أيها الربيع الأرمل
أيها النهر النائم
في رحلة صامتة.
يا أعلى صدى
في قرننا العشرين!
يا طائر روحنا
حينما يحلق
و يحترق!
انت لست الماً لذكرى
تغمسنا مرة كل عام
في بركة كومشين
أو تحولنا إلى
بكاء نقار الخشب
عندما يبحث
عن شجرته المهاجرة.
أنتِ لستِ قصيدة
خضراء العين
تأتي مرة كل عام.
تأتي الامرأة الغيمة
وتكتب على الأقمار والمضائق.
بشعرِ آهة طويلة
من ضبابٍ صدئٍ في شهرزور نالي .
أنتِ كل يوم معنا
كالأب والام
والشريك والطفل.
كالخبز والماء
ووهج النار.
أنتِ معنا
كصيحة أصغر
وصوت ماملي .
انتِ في غرفي
كالشباك والمفكرة والساعة
وفِي الصيف كالبدر.
انتِ معنا في كل لحظة
كأصابعي.
انتِ أصبحتِ الوردة السوداء
في اجسادنا وحدائقنا.
أصبحتِ شارع الحرية
هنا وهناك
انتِ في أشعة الشمس
عندما تدخل عرضاً وطولاً.
انتِ ليمونة نشمها
انتِ همٌ نلونه
انتِ عشق نشاهده.
انتِ صوت ومن صمتنا
ترتفع صيحتك.
انتِ ندى ورذاذ وقطرات
وهطول وشاطئ للذكريات.
انتِ نبع ماء يغلي
ويرتفع منه بخار غدر كبير.
أيها الهلال المقتول
والمعلق حتى الآن في السماء،
وقت طلوعك
وقت عودتك للحياة
وقت نزولك ووقت موسم الحصاد
بات أقرب من
هطول غيمة قريبة.
بات أقرب من
النسمة لقمم الجبال
أقرب من الضحى للشمس
وأقرب من البسمة على شفاه طفل في المهد.
هاهو جلادكِ
يضع رجله في التابوت
والموت يسحبه!
يا نبع عشاق حلبجة
قل لجميع عشاق
الوديان والجبال.
قل للغزلان وعابرات السبيل
وناي القصب وسفوح الثلج
وابواب الصفيح
والطيور العاشقة على ضفاف الماء
قل لهم جميعاً:
قريباً سيعود هدهد پيرشاليار  
من الجبال شاباً.
على لحن سياچَمانة ،
سيعود بيساراني  ممتطياً ايلا بنيا داكنا
سيعود الحجل النقشبندي الأبيض الى الرفرفة.
سيعود مولوي هو والفراشات والشعر
والريحان الأسود في حزامه.
هذه المرة ستعود
عنبر خاتون  فتاة
شعرها كرأسها حر
وتصبح معلمة لتدرس:
المرأة والمطر
المرأة والحريّة
المرأة والشمس
للفتيات اللواتي
تشبهن عشبة الجنوور
وتقول لهم..
قريباً ومع غزلان
سهل شيروانة
حلبجة ستذهب الى بغداد.
وفي جعبة غيمة بيضاء
ستأخذ معها
خمسة آلاف فراشة.
حلبجة تذهب الى بغداد
وعندما تصل
يقف دجلة بطول قامته
ويحتضنها من قدها
ويمد يده ويضع على رأسها
قبعة الجواهري.
بحماس ستحلق حمامتان
من النجف وتحطان على كتفها.
ومن هناك تبدأ أشجار
الزيتون والصفصاف والنخيل
حفلة رقص.
من جدارية جواد سليم
سيخرج الحصان
ويصهل بحجم العاصمة
وتهطل من الشمس
أشعتها.
حلبجة تذهب الى بغداد
ورود الرمان ثيابها
وأمواج احمدئاوا  قامتها.
وعندما تصل
ينزل ابو نؤاس من الضفة
ومن الورد والرمان والأمواج
سيصنع كأسا
جديدة.
الكأس الاول يأخذه منه
حسين مردان ويشربه برشفة واحدة.
ثم يأتي رشدي (العامل)
ذو الشعر الأشعث
وربطة العنق المائلة
ويشرب هو و"حديقة علي"
حتى الثمالة.
حلبجة تذهب الى بغداد.
وعندما تصل
ستجد (عبد الامير) الحصيري كعادته
قنينة شراب وسترة متدلية
وجهه أحمر أمام الرصافي
مائلاً وعمودياً
يشتم ابن صبحة
ومدرسة عفلق
يبصق على رقمي
السابع عشر والثلاثي (من تموز).
ويشتم العرش.
حلبجة تذهب الى بغداد
وتشاهد:
الحيدرخانة عادت الى شبابها
النراكيل والسماور والإبريق
والكؤوس ذات الخصر الذهبي
في مقهى حسن عجمي
تنزل من رفوف الوجاغ
الى شارع الرشيد
ترن واحدة واحدة
وترقص فرحاً.
تشاهد سيدارتي
القبانجي والوردي
واحدة بأجنحة المقام
والأخرى بأجنحة الفكر الجديد.
صارتا طائرين يحلقان فوق
القبب الشذرية والشناشيل
ويضحكان في السماء.
حلبجة تذهب الى بغداد.
تمر بالشورجة
وتلتصق بجسمها
رائحة الهيل والقرفة والمسك.
تحيط بها القبلات الفيلية
وبعد قليل تتحول القبلات  
الى نحلٍ
وقامة حلبجة الى شمعٍ
وتأتي الحرية
لتوزع العسل على الجميع.
حلبجة تذهب الى بغداد
قبل بغداد
تقف في شهربان
وفِي بساتين البرتقال
ترمي آخر ثوب للبكاء
عندها تبدأ البرتقالات
بنسج ثوب لها
من العرائش ومن ورودها.
حلبجة تلبس ثوب الشمس
حلبجة تلبس ثوب الكرنفال
ثم تذهب.
حلبجة تذهب الى بغداد.
آذار ٢٠٠٣

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد:أريش فولفغانغ كورنغولد

صورة سيفو في مرآة الوهايبي

"مُخْتَارَات": <اَلْعِمَارَةُ عِنْدَ "اَلْآخَرِ": تَصْمِيمًا وَتَعْبِيرًا > "لِوِيسْ بَاراغَانْ"

"حماس بوينس آيرس" أول مجموعة شعرية لبورخس

علي عيسى.. قناص اللحظات الإبداعية الهاربة

مقالات ذات صلة

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت
عام

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت

أدار الحوار: مارسيلو غلايسر* ترجمة: لطفية الدليمي ما حدودُ قدرتنا المتاحة على فهم العالم؟ هل أنّ أحلامنا ببلوغ معرفة كاملة للواقع تُعدُّ واقعية أمّ أنّ هناك حدوداً قصوى نهائية لما يمكننا بلوغه؟ يتخيّلُ مؤلّف...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram