TOP

جريدة المدى > عام > لويس عوض في سيرته الذاتية..مفكر حر عارضهُ الرجعيون واليساريون والعسكر

لويس عوض في سيرته الذاتية..مفكر حر عارضهُ الرجعيون واليساريون والعسكر

نشر في: 14 أغسطس, 2017: 12:01 ص

الدكتور لويس (حنا خليل) عوض، علم من أعلام البحث والنقد والترجمة في مصر والوطن العربي، ولد في مدينة المنيا في 21/12/1914، وتوفي سنة 1990 مع أنه يوثق ولادته عام 1915، وبين هذين التأريخين عاش حياة ممتدة زاخرة بالدرس في جامعة كمبرج البريطانية العريقة، لي

الدكتور لويس (حنا خليل) عوض، علم من أعلام البحث والنقد والترجمة في مصر والوطن العربي، ولد في مدينة المنيا في 21/12/1914، وتوفي سنة 1990 مع أنه يوثق ولادته عام 1915، وبين هذين التأريخين عاش حياة ممتدة زاخرة بالدرس في جامعة كمبرج البريطانية العريقة، لينال منها درجة الدكتوراه أوائل عقد الأربعين من القرن العشرين.

ونشر تسعة وأربعين كتاباً أصدر أولها عام 1945، وهو ترجمة لكتاب (فن الشعر) لهوراس وآخرها، أصدرته مكتبة مدبولي الشهيرة بالقاهرة عام 1989، أي قبل وفاته بسنة واحدة، والذي بدأ بكتابته عام 1982، ولينتهي منه عام 1986، ويقع في ست مئة وسبع وعشرين صفحة، وعنوانه (أوراق العمر. سنوات التكوين) وهو سيرته الذاتية، ولقد أحسن صنعاً، إذ صارع الزمن الذي لا يرحم وأخرجها للقراء الجادين قبيل وفاته، لتأتي شاملة على كل صروف الدهر التي مرت عليه، هو المفكر الليبرالي الحر، الذي تعرض لحقد الرجعيين والحاسدين ومنهم الدكتور رشاد رشدي، الذي ما أكتفى بإيذاء لويس، بل أمتد الأذى نحو أخيه الباحث الكاتب رمسيس عوض، ((فكان رشاد رشدي بوصفه ممتحناً يعرقل مسعاه في كل خطوة يخطوها نحو الماجستير والدكتوراه في الأدب الانكليزي، ويحول دون تعيينه مدرساً في جامعة القاهرة )) ص112.
كما تعرض لأذى كتاب اليسار، لما كانوا يجدون في كتاباته من دعوات لحرية الفكر، واقتراب من ثقافة اوربة والغرب، كما شملته حملات التطهير والإقصاء من الجامعة بعد تموز 1952، فضلاً عن شمولها العديد من كفاءات مصر، وفي الذاكرة القانوني الضليع عبد الرزاق السنهوري والشاعر إبراهيم ناجي.
 في اوراق عمره، ينقل لنا لويس عوض شيئاً من العلاقات الاجتماعية وحسن الجيرة، بين الاسر المسلمة والقبطية، لعلها تعود إلى سنوات العقد الثاني من القرن العشرين، إذ كانت أمه وعامة النساء الأقباط من طبقتهم، حين يخرجن إلى الشارع يرتدين الحبرة السوداء والحذاء الأسود كنساء المسلمين ((في أعياد المسلمين والأقباط، كنا إلى جانب التزاور نتبادل الكعك مع جيراننا المسلمين فنرسل اليهم هذه الأشياء أو نتلقاها منهم فيما يشبه الطقوس)) ص17.
وينقل لنا صورة من صور الحزم التربوي الأسري، والغريب، أو المفرح أن هذا الحزم، ما كان صادراً عن أبيه، بل تولته أمه، يحدث أن تأخر في المجيء ليلاً، فلم تفتح له الباب آمرة إياه أن ينام حيث كان، ولم تَجْدِه كل توسلاته، فالباب لا يفتح بعد العاشرة ليلاً! هي الأم الرؤوم التي كانت تداري أولادها بتفان، وتحاول أن تحميهم من غضب أبيهم، لكن حين حان الجد والحزم، رأيتها وقد تحولت إلى إنسانة أخرى، كل هذا الحزم من أجل أن يعرفوا مواطن الخلل فيغادروها.

ظاهرة الترجمة بتصرف
لقد شاعت في بداية القرن العشرين، وماتلاها ظاهرة قيام بعض أدباء مصر بإصدار بعض الروايات الاجنبية، ولاسيما الفرنسية موشحة بعبارة (ترجمة) من ذلك قيام مصطفى لطفي المنفلوطي، بتعريب عدد من الروايات مثل: سيرانو دي برجراك لأدمون روستان فأسماها (الشاعر) و(تحت ظلال الزيزفون) لألفونس كار، فعنونها بـ (ماجدولين) ورواية (بول وفرجيني) التي أطلق المنفلوطي عليها إسم (الفضيلة)، و(في سبيل التاج) لفرانسو كوبيه، فضلاً عن (العبرات) الذي هو ترجمة لرواية (غادة الكامليا) للكاتب الفرنسي الكسندر دوماس الأبن، ولقد قرأنا كل آثار المنفلوطي ونحن في مرحلة الفتوة، طلبة في الثانوية، كما ابتعت رواية (البؤساء) لفيكتور هيكو، وقد ذكر على عنوانها ان مترجمها هو شاعر النيل: حافظ إبراهيم وكنت أمام هذه الظاهرة، أُسائل نفسي كيف ترجما ما ترجماه، وهما لا يعرفان حرفاً من الفرنسية، لكني بعد لأي قرأت ما يفسر ارتيابي ويوضحه إذ أنهما كانا يستعينان بمن يقرأ لهما الرواية عن الفرنسية، ثم يقومان بصياغتها بأسلوبهما، أي انهما يترجمان بتصرف، إن يجوز لي أن اطلق على عملهما هذا صفة الترجمة، ويأتي الدكتور لويس عوض ليؤكد هذه التوصلات ذاكراً ((وقد أذهلني أيام دراستي الثانوية ان أجد في مكتبة أبي ترجمةَ إنكليزية لـ (البؤساء) لفيكتور هيجو، تقع في الف صفحة بالبنط الدقيق، بينما كانت (بؤساء) حافظ إبراهيم تقع في مئتي صفحة من القطع المتوسط، وبالبنط الكبير، وكنا ندرسها في المدرسة الثانوية، فحاولت أن أضاهي الترجمتين فصرفني ابي عن ذلك لأنه أفهمني أن كتاب حافظ إبراهيم ليس إلا اقتباساً وتلخيصاً على طريقة المنفلوطي فلا وجه للمضاهاة)) ص19.ولقد عجبت لانتقاده إسلوب الروائي نجيب محفوظ في الجزء الأول من ثلاثيته (بين القصرين) التي تصور وقائع الحياة في القاهرة اثناء ثورة عام 1919، إذ تختلف تماماً كما يقول عن الصورة التي رسمها نجيب محفوظ لسلوك ابطال روايته اثناء الثورة، في حين يشيد بما كتبه الصحفي مصطفى أمين في سيرته الذاتية، إذ وجد صورة الحياة لمصر بين عامي 1920-1930 مطابقةً تماماً لصورة الحياة التي وعتها ذاكرته عن تلك السنوات، وأرى أن هذا هو حقاً الفرق بين السرد الروائي وبين الذكريات التي سطرها مصطفى أمين، فمحفوظ يكتب رواية وما كتب تأريخاً، كي نطالبه بأن ينقل الوقائع نقلاً حرفياً، فهذه وظيفة المؤرخ لا الروائي.ولعلّ من القول النافل أن أذكر أن الكتابات السياسية لا تجلب خلود ذكر لكاتبها، لأنها -غالباً- كتابات آنية، مرتبطة بزمانها، فضلاً عن ضرورة أن لا ينغمس الكاتب والأديب في السياسة، لا بمعنى العيش بعيداً عنها في برج ناءٍ، بل عدم الارتماس حتى أعلى أذنيه فيها، ولقد أطلعت في هذا الكتاب (أوراق العمر. سنوات التكوين) على صورة من هذه الكتابات السياسية الآنية التي كتبها طه حسين الذي كان منتمياً لحزب الاتحاد الدستوري بقيادة عدلي يكن، فضلاً عن كتابات عباس محمود العقاد المنغمس في توجهات حزب الوفد بقيادة سعد غلول، والتقلبات التي رافقتهما فيترك طه حسين حزبه إلى الوفد، ويحصل الأمر ذاته للعقاد، فذهب إلى الاتحاد الدستوري بعد أن يفصله حزب الوفد، وكأنما يتبادلان المواقع على لغة العسكريين، وذهبت كتاباتهما السياسية، مع ما تحمل من هَجْر القول وبذيئه، وظلت كتاباتهما الأخرى، مع ما كان يشوب كتاباتهما السياسية من امتهان وارتزاق، إذ كانا يكتبانها لقاء أجر، وكتابة مأجورة، وموحى بها لا تشرف قلماً، يجب أن يكون نزيهاً ولا يكتب إلا بضمير ووجدان، ممثلاً لآرائه، لا بوقاً للغير.

الكتابة السياسية الآنية لا تجلب خلوداً
لقد كان (حنا خليل عوض) الموظف في حكومة السودان، أبو لويس، قارئاً جيداً بالعربية، وبالإنكليزية غالباً، وكان ذا نظر ثاقب، أثر في توجهات إبنه، وكان لويس يقف مأخوذاً متعجباً من هذه المكتبة وكتبها في غالبها بالإنكليزية، لذا كان يوضح كثيراً من غوامض الأمور التي تعترض سبيل ابنه لويس، فهو يتابع قراءات أبيه لما يكتبه العقاد  في (البلاغ) وما كان يكتبه طه حسين في جريدة (السياسة) من مقالات سياسية، ويحس ببذاءة كل منهما في هجاء خصوم حزبه، وإذ ذهبت كل مقالات طه حسين مدفوعة الأجر أدراج الرياح وطوتها يد الدهر التي لا ترحم أحداً، ظلت كتاباته الثقافية في الجريدة ذاتها باقية في عقول الناس وضمائرهم، وكان (حديث الأربعاء) كتابه الرائع بعضاً من هذه الكتابات، والأمر ينطبق على العقاد.
قال لويس عوض: (( كان طه حسين حراً دستورياً، فكان يهاجم سعد زغلول بهجر القول، رغم كل ما تحمله سعد من آلام في سبيل الجهاد الوطني، وكان يسميه (زعيم الرعاع) (...) وكان العقاد كاتب الوفد الأول، وكان يؤله سعد زغلول (...) ويقول هجر القول في عدلي يكن رئيس الأحرار الدستوريين (...) وكان قاموسه في الشتائم أفحش من قاموس طه حسين لأنه كان يتجاوز السب العام إلى السب الشخصي)) ص388.
 ولعلّ هذا الأسلوب، هو الذي دفع بالدكتور عبد الرحمن بدوي، إلى الرد على العقاد لا بالكتابة ذاتها بل بالضرب وهو ما سُرد علينا في سيرته الذاتية التي وَسَمها بدوي بـ ( قصة حياتي) والصادرة طبعتها الأولى سنة 2000، إذ كتب العقاد أكثر من مقال ضد جماعة (مصر الفتاة) التي أسسها السياسي المصري أحمد حسين، وكان بدوي من أعضاء هذه الجماعة ذات التوجهات الفاشية، ولقد رد أحدهم على كتابات العقاد، لكن عبد الرحمن بدوي الفيلسوف، تحول إلى (أشقياء) في السياسة، لم يرق له هذا فأوعز إلى اثنين من أنصار جماعته، بالترصد للعقاد عند عودته ليلاً إلى منزله.
 قال بدوي في مذكراته (قصة حياتي) ما نصه: ((وكان من رأيي أن العقاد يرحب بهذه المقالات، فلا علاج له عن هذا الطريق، بل لا بد من استخدام العنف، لأنه لا يردعه إلا العنف، وأخذ برأيي إثنان من اعضاء الجماعة، فتربصا للعقاد، وهو عائد إلى بيته وانهالا عليه بالضرب والصفع والركل، وأفهماه أن هذا تأديب مبدئي، بسبب مقالتين ضد (مصر الفتاة) فان عاد عادا اليه بما هو اشد نكالاً (...) فخرس العقاد خرساً تاماً)).
ولقد علقت على فعلة بدوي: بخ بخ لك يا عبد الرحمن بدوي، وهكذا يكون الفيلسوف وإلا فلا! وهذا الكتاب أدرت عنه حديثاً نقدياً نشرته جريدة (العرب) الصادرة في لندن بعددها ليوم الثلاثاء 15/8/2000 وأعدت نشره في كتابي (مطارحات في الثقافة) الذي أصدرته سنة 2007 دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد.

سباب العقاد وطه حسين
اقول: لقد عجبت لهذا القاموس المفجع من السُباب الشخصي الذي كان العقاد يدلقه على زعماء السياسة في مصر، مما ذكره الدكتور لويس عوض في كتابه، فهو يصف رئيس الوزراء محمد محمود باشا في وزارته الأولى سنة 1928، مما يعف عن قوله السوقة وأسافل الناس بـ((المجنون المفتري، العيي الالكن، منكر الصوت، مسلوخ المخارج، لسانه من قصدير وذراعه جريد، مغتصب المناصب)) ص483، ومن أجل الدقة فإن عوض يرجع إلى صحافة تلك الأيام يفحصها وينقل عنها، وتلك - لعمري- مهمة شاقة لا يقدم عليها إلا من يحترم قلمه وقارئه، فهو يرجع إلى عدد جريدة (البلاغ) الصادر في 5/ يوليو1928، وينقل عوض لنا خلجاته وآراءه على الطبيعة من غير تزويق وتعديل، فهو يذكر أنه كان يطرب حين يقرأ هذا السباب، كان فتى في الثالثة عشرة من عمره، ((أما أبي فكان يقرؤه بامتعاض شديد، ويقول إن هذه قلة أدب، وليست جدلاً سياسياً، وقد كان في إمكان العقاد أن يرد (...) بالمنطق دون حاجة إلى شتائم)).ص483.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد:أريش فولفغانغ كورنغولد

صورة سيفو في مرآة الوهايبي

"مُخْتَارَات": <اَلْعِمَارَةُ عِنْدَ "اَلْآخَرِ": تَصْمِيمًا وَتَعْبِيرًا > "لِوِيسْ بَاراغَانْ"

"حماس بوينس آيرس" أول مجموعة شعرية لبورخس

علي عيسى.. قناص اللحظات الإبداعية الهاربة

مقالات ذات صلة

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت
عام

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت

أدار الحوار: مارسيلو غلايسر* ترجمة: لطفية الدليمي ما حدودُ قدرتنا المتاحة على فهم العالم؟ هل أنّ أحلامنا ببلوغ معرفة كاملة للواقع تُعدُّ واقعية أمّ أنّ هناك حدوداً قصوى نهائية لما يمكننا بلوغه؟ يتخيّلُ مؤلّف...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram