TOP

جريدة المدى > عام > مراجعات: رواية تأريخية تتشبث بإسطورة أمريكية خصبة

مراجعات: رواية تأريخية تتشبث بإسطورة أمريكية خصبة

نشر في: 28 أغسطس, 2017: 12:01 ص

مرحى. بدأ بعضهم بالقول أن دينيس جونسن قد يكون واحداً من أكبر كتّاب الرواية في أمريكا. كان ينبغي ان يكون هذا واضحا في عام 1986، مع روايته الثالثة، " نجوم في منتصف الظهر " – وكان بلا شك أمرا مؤكدا مع مجموعته القصصية المترابطة، " إبن يسوع "، في عا

مرحى. بدأ بعضهم بالقول أن دينيس جونسن قد يكون واحداً من أكبر كتّاب الرواية في أمريكا. كان ينبغي ان يكون هذا واضحا في عام 1986، مع روايته الثالثة، " نجوم في منتصف الظهر " – وكان بلا شك أمرا مؤكدا مع مجموعته القصصية المترابطة، " إبن يسوع "، في عام 1992. ثمة شيء مخيِّب بشأن عمل جونسن، بالنسبة لمتوسطي الثقافة. ربما هي ردود الأفعال البيوريتانية على سيرة حياة المؤلف: شبابه الواعد؛ معارضته المشاركة في لعبة الأضواء المعاصرة من مقابلات صحفية وحضور على موقع تويتر، حيث يأتي المؤلف قبل عمله.
ثم كانت هناك شخصيات تلك الروايات الأولى. وهي كانت في الغالب مرعبة، محطمة، هائمة تتقلب على حافة إنهيار داخلي، مسكّنة في اوضاع مضطربة – مسافرين متطفلين يرتعشون من البرد، تتمنى بيأس لو أنك لم تتوقف أبدا لتحملهم معك. مع هذا، كان الطموح هائلا. إستدعت " نجوم في منتصف الظهر " إضطرابا عظيما، امريكيا لاتينيا، مرهقا، مع موقفها من رهاب الأجانب. الإهتياج العصبي للرؤية الجونسنية يمكن أن يُرى حتى في ريبورتاجاته غير الروائية الرائعة؛ " بحث: تقارير من حافات امريكا وما وراءها " هو عنوان ملهم يبيّن مصدر بعض الشخصيات في رواياته.
يظهر " أحلام قطار " وكأنه عن منطقة محترمة؛ رواية تاريخية بضمير الغائب قصيرة إنما شاملة، تتشبث بإسطورة امريكية خصبة عن الوعي الريادي، والسرعة الدراماتيكية التي نشأت بها تلك الأمة الإستثنائية حول جماهير مشدوهة. روبرت غرينير هو عامل متطوّف، يبني الجسور ويقطع الأشجار من أجل السكك الحديد المتوسعة على نحو متسارع في السنوات الأولى من القرن العشرين. سعيد مع زوجته وطفلته. غرينير فقير الحال، متواضع بشدة، موصوف بإقتصاد مدهش. نائما تحت خيمة كانفاص من زمن الحرب الأهلية، تقع عيناه الشابتان على أرض وغابة لم يغامر مالكها الرجل الأبيض بإستثمارها، بل وستلمح نفس العينين الفيس برسلي في قطاره السياحي في نهاية الخمسينات والاتوسترادات المذهلة في سنوات الستينات.
غرينير رجل بريء. وعلى ما يظهر غير مبتلى بتعقيد أكبر أو ببلاء الشك، والذي يصطدم في النهاية بعالم قاسٍ على نحو ميئوس منه وغير منطقي اكثر مما يمكن ان يقتضي. وهو يحلم. تؤدي الرواية مهمات الرواية التاريخية لكن، وعلى نحو مميز، تطلق " أحلام قطار" غرابة مستترة. وكما الأمر دائما، تكون الشخصيات الرئيسة والسطحية مستحضرة من بضع جمل موقرة بعمق، وفظة: (( أنا عملت على جبل في بيسبي، اريزونا، حيث كنا على بعد أحد عشر أو إثني عشر ميلا فقط عن الشمس. كانت الحرارة تقارب الأربعين درجة على الثرمومتر، وكل درجة بطول قدم واحدة. وذلك كان في الظل. وهناك، لم يكن ثمة ظل. ))
غرينير هو كل الرجال وأيضا لا واحد منهم؛ هو يتيم أساسا، مع روايات متناقضة عن أصوله. معالم حياته الخشنة بما فيها محاولة إعدامه لسرقة مخزن، التي يبدو انها وسمته بلعنة؛ رجل يُقتل من قبل كلبه؛ إكتشاف الطفولة لرجل متشرد جريح على السكة الحديد: (( كانت كلها في أرجاء البلاد، في كندا، أيضا، ولا تبعد أبدأ اكثر من مئة ياردة عن السكك وقضبان الربط. ))
 حريق كارثي (( أقوى من الرب )) يكتسح الوادي حيث كان غيرنير يقيم كوخا، وتختفي عائلته. ربما طافت اسفل النهر بعيدا عن جهنم. يغدو غيرنير ناسكا وسط خرائب الرماد، يعوي مع ذئاب الجبل، ولا يكف أبدا عن البحث عن إبنته المفقودة.
حلّ العقدة في رواية " أحلام قطار " هي مأساوية جدا وسريالية بحيث أن القارئ يرفض في البداية مقاربتها المروّعة: مع ذلك حين تأتي تكون مكتوبة بصدق تفي بثيمة الكتاب، إنهيار العالم المنطقي لرجل محترم. على نحو هادئ وجميل، تطرح هذه الرواية أسئلة عن الحياة الإنسانية: هل ثمن المجتمع الإنساني أو ما يدعى بالحضارة غاليا الى هذا الحد؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد:أريش فولفغانغ كورنغولد

صورة سيفو في مرآة الوهايبي

"مُخْتَارَات": <اَلْعِمَارَةُ عِنْدَ "اَلْآخَرِ": تَصْمِيمًا وَتَعْبِيرًا > "لِوِيسْ بَاراغَانْ"

"حماس بوينس آيرس" أول مجموعة شعرية لبورخس

علي عيسى.. قناص اللحظات الإبداعية الهاربة

مقالات ذات صلة

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت
عام

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت

أدار الحوار: مارسيلو غلايسر* ترجمة: لطفية الدليمي ما حدودُ قدرتنا المتاحة على فهم العالم؟ هل أنّ أحلامنا ببلوغ معرفة كاملة للواقع تُعدُّ واقعية أمّ أنّ هناك حدوداً قصوى نهائية لما يمكننا بلوغه؟ يتخيّلُ مؤلّف...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram