تتزاحمُ المهرجانات العراقية أحياناً، فأجدُ نفسي في حيرة حين أُدعى لأكثـر من مهرجان في ذات اليوم وأحياناً التوقيت نفسه، وأتساءلُ عند حضوري تلك المهرجانات، ماذا سينتج من وراء إقامتها؟للسينما في العراق أكثر من خمسة مهرجانات تتشاطر اقامتها المؤسسات
تتزاحمُ المهرجانات العراقية أحياناً، فأجدُ نفسي في حيرة حين أُدعى لأكثـر من مهرجان في ذات اليوم وأحياناً التوقيت نفسه، وأتساءلُ عند حضوري تلك المهرجانات، ماذا سينتج من وراء إقامتها؟
للسينما في العراق أكثر من خمسة مهرجانات تتشاطر اقامتها المؤسسات السينمائية الحكومية والخاصة، إضافة إلى المهرجانات التي تقيمها المحافظات، إلا اني لم أسمع بصناعة فيلم سينمائي عراقي حتى الآن!
كذلك هي المهرجاناتُ الشعرية، والتي تُقام تماماً بين اليوم والآخر، إلا أننا لم نشهد شاعراً استفز صرخة "الآه" فينا، وخصوصاً بعد عام 2003.
ليست السينما والشعر فحسب، فهنالك مجالات كثيرة ثقافية وفنية تُقام مهرجاناتها، ولكن دون وجود أثرٍ واضح لهذا المنجز الفني أو الثقافي عراقياً، سواء أكان على صعيد المسرح، والفنون التشكيلية، والموسيقى، والسرديات، وغيرها من مجالات أخرى فنية وثقافية..
إنتاج أعمال فنية وثقافية ليس من مهام المهرجان، فمهمات الأخير تتركز على عرض الأعمال المُنجزة خلال العام أو الموسم، والاحتفاء بها، واقامة جلسات وندوات نقدية لتقييم الاعمال، يؤكد هذا الحديث مدير المسارح في دائرة السينما والمسرح فلاح ابراهيم بالقول "أن كل مهرجان يُعد اضافة مهمة وأساسية للمشترك فيه سواء من الجمهور "المتلقي" أو الفنان المشارك".
وعلى صعيد المهرجانات المسرحية يشير ابراهيم قائلاً الى "إن الهدف من وراء اقامة المهرجان ليس انتاج اعمال، بل هو عرض العمل المُنتج والمنجز، وتقييمه، ففي الوقت الذي يتم فيه عرض عمل فنان مشارك في المهرجان سيعود هذا بالفائدة على العمل وعلى المُشارك الذي سيتنبه لقيمة عمله، من خلال جلسات نقدية وندوات حوارية ستدور حول المنجز الذي تم عرضه، إضافة إلى تعّرف الجمهور الى العمل وتقييمه بعين المشاهد".
المهرجانات المسرحية والتي تُقام سنوياً تُعدّ فعّالة بشكل لا بأس به، كما أنها شهدت عروضاً مميزة لمسرحيات عراقية نخبوية شارك الكثير منها في مهرجانات أخرى عربية وعالمية، وتُعدّ المهرجانات المسرحية في العراق نقطة لتلاقي وتبادل الثقافة والمعرفة بين المسرحيين من جميع المحافظات، فيؤكد مدير قسم المسارح في دائرة السينما والمسرح "أن المهرجانات التي تُقيمها دائرة السينما والمسرح، والتي سيقام احدها قريباً في منتدى المسرح، تشهد مشاركة العديد من المسرحيين من جميع محافظات العراق، وبأعمال كثيرة، هذا سيُفيد في تبادل الخبرات بين المشاركين، والإفادة من تجاربهم، وهذا يخلق نوعاً من الحراك المسرحي والثقافي، لأن المهرجانات باختصار هي عملية تلاقح ثقافي ومعرفي وفني بين الجهات المشاركة".
رغم دقة رأي مدير قسم المسارح فلاح ابراهيم، إلا اننا نشهد اليوم حضور أُناس لا علاقة لهم في المجال المحتفى به، إلى هذا المهرجان، في الوقت الذي تغيب فيه اسماء مهمة تخص المجال المحتفى به عن الحضور، وهذه النقطة بالذات يُثيرها رئيس الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق ناجح المعموري قائلاً "إن تسمية المهرجان تتمظهر عن استقطاب جماعات تشترك بمزاولة نوع أدبي أو فني محدد، إلا أنها مُتباينة في المستويين الفني والثقافي، لكنها تجد أن الاحتفاء يصب في البحث عن طاقات جديدة".
ظلت سمة الاحتفاء لغرض البحث عن طاقات جديدة غالبة على المهرجانات العراقية، كما ذكر المعموري الذي أكد أن "هذه السمة كانت متواجدة منذ المهرجانات التي أقيمت في فترة حكم النظام السابق، حيث تُحسب لها الكثير من الأسماء الكبيرة والتي استطاعت منح الثقافة والأدب والفنون العديد من المنجزات، وكانت هذه الأسماء قادرة على منح المهرجان صفته المطلوبة، والتي تتمثل بمنجز كبير وأسماء كبيرة تستحق الاحتفاء".
اليوم يجد المعموري أن هذه السمة التي شهدناها في مهرجانات النظام السابق باتت تلاحقنا، إلا أن الاسماء لم تتغير، ويذكر "أن الاسماء ذاتها اليوم تُستعاد وتُستذكر وتُدعى الى المهرجانات، مع ملاحظة تكريس تغييب اسماء جديدة تستحق الحضور".
لم تكُن سمة التمسك بالأسماء القديمة واقتصار المهرجان على حضور تلك الاسماء دون سواها الصفة الوحيدة للمهرجانات العراقية، بل هي تعاني أيضاً من تغييب اللجان الادارية في المحافظات الأخرى والمختصة في الفرع ذاته المحتفى به، وبهذا يستشري التغييب في تلك المهرجانات المقامة، اما ماقد يثير دهشة رئيس الاتحاد العام للأدباء قوله "إن الدعوات الموجهة لحضور المهرجانات اقتصرت محلياً وهذا أمر خاطئ، لأننا بحاجة الى دعوة متلقي عربي أو عالمي، فهذه الدعوات تعد فرصة مهمة جداً لتوجه أيضاً الى الهيئات الادارية في المحافظات والمركز، وذلك لتستقطب الأسماء المهمة التي لها علاقة بنوعية هذا المهرجان".
يجد المعموري بل ويشدد على ضرورة وجود اسماء جديدة وشابة يقدمها المهرجان، حيث يُعدّ هذا دور المهرجانات الأساس، ويقول "أجد أن المهرجان الذي اقامه منبر العقل في الاتحاد العام للأدباء ومؤتمر السرد، نقطة مهمة وايجابية في الواقع الأدبي والثقافي العراقي، حيث استطعنا من خلالهما تقديم اسماء شابة ومهمة مثل شعراء النجف، وبعض الشباب من مدينة تلعفر اضافة الى شاعرة من مدينة بغداد".
النقطة التي قد تدعو للضحك ألماً، هي أن المهرجانات تبدأ بالتحايا وتنتهي بالشتائم على مُنظميها، كما أكد ذلك المعموري.
في بعض المحافظات العراقية، نجد حضوراً طاغِياً للمهرجانات، وقد تكون مدينة البصرة من أهم المدن التي تقيم أهم المهرجانات، ابتداءً من مهرجان المربد، مروراً بمهرجان ملتقى قصيدة النثر وحتى مهرجان الرواية العربية والعراقية، يذكر رئيس اتحاد ادباء البصرة د. سلمان كاصد "أن الاتحاد في هذه المدينة يقيم العديد من المهرجانات والتي غالباً ما تُظهر جانباً مميزاً واستثنائياًعن نظيراتها، ذلك أن المهرجانات المُقامة في مدينة البصرة تستقطب أدباء ومثقفين عرباً اضافة الى العراقيين، وهذا من شأنه خلق تلاقح ثقافي ومعرفي بين الثقافات العراقية ونظيراتها العربية".
ويبدو أن اتحاد ادباء البصرة على قناعة تامة بما يقدمه من مهرجانات وحراك ثقافي، فيجد كاصد "أن المهرجانات التي تقام بإشراف الاتحاد عملت على حل القضايا ذات الاشكالية الأدبية والثقافية، وهذا ما سنلمسه خلال مهرجان ملتقى قصيدة النثر المقبل".
رئيس اتحاد ادباء البصرة، لايبتعد كثيراً في رأيه عن نُظرائه من الأدباء والمثقفين والفنانين أولئك القائمين على صناعة المهرجانات، فهو يجد أيضاً أن المهرجانات ليس من شأنها الانتاج الأدبي أو الثقافي، بل هي مساحة لعرض المنجز الأدبي. ويشير كاصد الى "أن الادباء ليس من شأنهم المهام التعليمية ذلك أن المهمات التعليمية هي سمة اكاديمية، وخصوصاً في مجال الأدب والشعر، هذه المجالات تعتمد غالباً على المواهب، إلا أنها لا يمكن أن تخلق من خلال ورش أو وسائل تعليمية".
بكل حال وسواء امتلكنا صناعة فنية وثقافية لنحتفي بها أم لم نمتلك، فمثقفونا وفنانونا يجدون أن اقامة مثل هذه المهرجانات هي مؤشر ايجابي، وكثرة هذه المهرجانات تُعد حالة صحية في الأوساط الثقافية والفنية، فيذكر المنتج الفني والأكاديمي د. حكمت البيضاني "أن المهرجانات من شأنها أن تُحرك عجلة الانتاج السينمائي، والفني بشكل عام في العراق، ولكن من يستعرض معظم المهرجانات العراقية، سيجد هنالك ثغرات تكاد تكون مشتركة".
بالفعل ما يؤشر له البيضاني يصب في صلب الموضوع أيضاً، فإضافة إلى أن هذه المهرجانات تحتفي باللا مُنجز، فهي تُعاني من سوء اشراف وادارة، وثغرات تكاد لا تُغتفر، ويؤكد البيضاني "أن اغلب هذه المهرجانات تقام من اجل الظهور الاعلامي والتصريحات الرنانة، في حين نفتقد لنقد انفسنا وتقييمنا لمنجزنا الثقافي والفني العراقي".
وعلى صعيد الرؤى الشخصية للبيضاني وكونه رجلاً مهتماً بالمجال السينمائي يذكر قائلاً "إن لم يكن اقامة المهرجان وفق ضوابط صحيحة وأمينة فلا داعي لإقامته، خاصة إذا كان الغرض من ورائه هو إعلامي صرف على مستويي مضمون الافلام والتنظيم".
لأكُن مُتفائلة بعض الشيء وآمل أن تكون كثرة هذه المهرجانات سبباً في صناعة ثقافات وفنون عراقية حقيقية، وتكون عاملاً مطوراً لإيجاد أو تأسيس شخصيات حرفية في مجال التنظيم المهرجاني.