الكاتب الصادق، يُشبه الغيث، لا ينتظرُ مديحاً، أو تطبيلاً وتصفيقاً، لينهال بعطائه، ولا يحتاج إلى دعواتٍ وصلوات ليروي الأرض نزولاً بذاته من أعالي السماوات، كذلك هو الكاتب تماماً، أنهُ يجدُ مُتعةً في خلق الحروف والكلمات رُغم آلامه التي تتسبب بها الأقلام
الكاتب الصادق، يُشبه الغيث، لا ينتظرُ مديحاً، أو تطبيلاً وتصفيقاً، لينهال بعطائه، ولا يحتاج إلى دعواتٍ وصلوات ليروي الأرض نزولاً بذاته من أعالي السماوات، كذلك هو الكاتب تماماً، أنهُ يجدُ مُتعةً في خلق الحروف والكلمات رُغم آلامه التي تتسبب بها الأقلام، وبينما يرقصُ هو باكياً على خرابه، نُثار نحنُ بساحريته، وجمال عروضه التي تخلقها الجُمل والحكايا التي يرسمها على الورق...
إبداعُ الكاتبِ يكمُن بأن يكون الفعل الكتابي جُزءاً من حيواته، فمن يكتب لأنه يشعر أن الكتابة تمنحهُ الحياة، يكون قد تجاوز مرحلة انتظار مردودٍ ماديّ وحتى معنوي من وراء الكتابة، واكتفى باللذة التي يجدها هو في عظيم ما يخلق، وشغفه المُتطلع نحو بنات افكاره اللاتي يروونه بالمزيد من العجائب.
في الآونة الأخيرة، ومع ملاحظتي أن المشهد الثقافي وخاصة السردي، يحصد جوائز كثيرة عربية وعالمية، لكتابٍ عراقيين، تساءلت ماذا ستُضيفُ هذه الجوائز للمنجز الابداعي للكاتب، وقد تأكدت تماماُ مما ألفت اليه...
حين أكتب لا أفكِّر بالجائزة، أكتب بدافعٍ ذاتيٍّ عميق، أنقاد لشغفي بالكتابة، غايتي خلق عوالم متخيّلة تكافئ عالمنا الواقعي، أفكِّر بقارئ افتراضي، نعم، أفكِّر بقراء أذكياء متربّصين، هكذا يحاول الروائي سعد محمد رحيم أن يخلق عوالمه الخاصة ليكتُب دون أن يُفكر، وماذا بعد؟، يقول رحيم "وجهتي هي الجمال، جمال اللغة، وجمال الأسلوب، وجمال السرد. وإذا ما جاءت الجائزة بعد ذلك فأهلاً بها".
حصول سعد محمد رحيم على الجائزة يزيد من إرباكه، فيقول "الجائزة تجعل قرائي الافتراضيين أكثر ذكاءً وأشدّ خبثاً في معاينتهم وتربّصهم، هكذا أتخيّلهم، وهذا يتحوّل عندي إلى تحدٍّ يتطلّب استجابة هادئة دقيقة لا تخلو من حماس، فترينني أعتني أكثر بنصّي، وأشعر بمسؤولية أكبر إزاء عملية الكتابة." مؤكداً "لا أريد لهاجس الجائزة أن يسلبني حريتي ومتعتي حين أكتب".
إذا كان الكاتب شغوفاً بمشروعه الادبي، فالكتابة هي جائزته الكبرى، الكاتبة والقاصة ميسلون هادي، تؤكد من خلال جملتها تلك، بالرغم من إن الجائزة تتوج المشروع الادبي، إلا انها ليست أهمّ من الكتابة ذاتها لدى الكاتب الشغوف، وتذكر قائلة "الجائزة هي تتويج لتاريخ الكاتب، كما إنها تُكرس اسمه الذي صنعته سنوات طويلة من الاشتغال على مشروعه الأدبي".
كُتّاب عراقيون كُثر، إن لم يحصدوا جوائز عربية وعالمية، فقد رشحوا إلى تلك الجوائز وتنافسوا عليها، فهل يا تُرى كان هذا الترشيح لُعبة سياسية؟ أم أنه يدل على قدرة الكاتب العراقي لحصد مثل تلك الجوائز وبجدارة، وقدرة المُنجز الادبي العراقي على المنافسة عربياً وعالمياً؟
الجائزة لا تعني دائماً جودة العمل فنياً، إلا أن الفوز بالجوائز وكما يقول الروائي سعد محمد رحيم "مؤشر موضوعي أيضاً، في أحايين كثيرة، على التطوّر الأدبي، فترشيح روايات عراقية كثيرة للفوز بجوائز عربية وعالمية، وفوزها أيضاً في مناسبات معروفة دليل على أن الكتابة الروائية العراقية باتت تزدهر، مع التأكيد أن هذا ليس المؤشر الوحيد الحاسم".
قدرة حيازة جوائز عربية وعالمية أو المنافسة عليها، موجودة لدى الكثير من الأسماء العراقية، لتؤكد ميسلون هادي، أن "ميزة الجوائز أنها تضيء هذه الاسماء التي تكاد تكون مجهولة لدى القارئ بسبب الاعلام العربي الثقافي."
وبالرغم من أن حرية الرأي قد منحت الكاتب الاجنبي مساحة ابداع أوسع، إلا أن الكاتب العراقي منافس قوي، هدية حسين تجد أن " العمق الثقافي والإبداعي للكاتب العراقي، جعله يكون في الصف الاول عربياً، أما عالمياً فوجوده بدرجة أقل، ذلك أن الكاتب الاجنبي يتمتع بحرية تعبير اكبر، تجاوزت التابوهات، وقد يكون هذا سبب تفوقه على الكاتب العراقي".
لايمكن فصل حديث الجوائز الأدبية عن غريزة التنافس، ولا عن طبيعة الحساسيات الثقافية، وحتى السياسية التي تسعى الى التعريف بتجارب أو أسماء أو توجهات معينة، يجد الناقد علي حسن الفواز "أن هذه الجوائز يمكن أن تكون مرتبطة بمؤسسات وجهات لها أهدافها السياسية والأيديولوجية، وهو شأن أغلب الجوائز في العالم، ولكن هذا لايعني اغفال أهميتها في تحفيز الحراك الثقافي التنافسي والمعنوي، والاندفاع نحو الانفتاح على كثير من التحولات الثقافية التي تُعبّر عنها الاعمال الأدبية العراقية وهي تدخل في المجال التنافسي".
أنّ الحضور الواضح للأدب العراقي في هذا التنافسي له دلالاته الواسعة، يقول الفواز أن" هناك من يجعل الجدّة والتميّز في موضوعات الكتابة مثارا حقيقيا لهذا التنافس، ناهيك عن علاقة ذلك ب(السوق الثقافية) فمازال هذا السوق يحظى بالإثارة عند كثير من الجهات التي تروّج للمطبوعات الأدبية، وللمؤسسات المسؤولة عن الجوائز."
إنّ ترشيح وفوز الأدباء العراقيين بالجوائز العربية والعالمية، يعكس واقعاً ثقافياً وتاريخياً وأخلاقياً، فمنذ أنْ فاز القاص محمد خضير والشاعر حسب الشيخ جعفر بجائزة العويس، الى فوز عبد الله ابراهيم وسعيد الغانمي بجائزة الشيخ زايد، وفوز احمد سعداوي بجائزة البوكر، وترشيح انعام كججي وسعد محمد رحيم للقائمة القصيرة من هذه الجائزة، وفوز ميسلون هادي وسعد محمد رحيم بجائزة كتارا، وصولاً الى فوز باسم الأنصار و عباس خضر بجوائز عالمية، والفضاء الثقافي والأدبي العراقي يُثير جدلاً وتنافساً واضحين، ليؤكد الفواز أن "الأدب العراقي مازال يختزن كثيراً مماهو جديد ومغاير ومثير للأسئلة بعد سنوات طويلة من العزلة والتعتيم".
رغم بعض التوجهات السياسية إلا أن وكما يذكر الروائي سعد محمد رحيم "في النهاية لا يمكن تمرير إلا الأعمال التي تتوافر على الشرط الفني، حتى وإن حُسمت النتيجة الأخيرة عاملاً سياسياً "
البوكر وكتارا ونجيب محفوظ والطيب صالح وغيرها، جوائزٌ عربية خلقتها بُلدانها، لإشعال روح التنافس بين مثقفي وادباء البلد نفسه، والمثقفين والادباء العرب، أما آن للعراق دوره، بأن يخلق جائزة تُشعل روح التنافس بين أدباء العراق، والأدباء العرب، جائزة تحمل اسم هذا البلد، وتكون ذات قيمة ومنجز أدبي عظيم يستحق تمثيل هذا البلد؟
فالجائزة أولاً وأخيراً صناعة، وهذا التوصيف يتطلب ظروفاً معينة لتأسيسها وللترويج لها، يجد الفواز أن وجود جائزة عراقية تحتاج إلى "تأمين القيمة المادية لبعث دوافع الاطمئنان الحقيقي على التنافس، إضافة الى الحاجة لوجود المؤسسات الثقافية والاعلامية الحاضنة لها، لخلق أجواء تنافسية على مستوى المشاركة، أو على مستوى المرجعيات التحكيمية".
ويبدو أن الفواز يرى أن" البيئة الثقافية العراقية مازالت غير قادرة على تنظيم مثل هذه الجوائز الكبرى، لا على المستوى المادي بسبب ظروف العراق الاقتصادية، ولا على المستوى التنظيمي وأهلية الجهات الرسمية التي تكفل وجود تقاليد مهنية وتنظيمية لإنجاح عمل أية مؤسسة للجوائز الأدبية عربياً وعالمياً، وللتنافس مع عديد الدول التي تُنظّم مثل هكذا جوائز لها تقاليدها ولها مؤسساتها ولها قيمها الرمزية والمادية".
لكننا بحاجة لجائزة خاصة ذات شأن وثقل دعائي ومعنوي وإبداعي، جائزة عراقية تستقطب أنظار الكتّاب العرب وتشعل المنافسة بينهم وبين الكتّاب العراقيين.
يبدو أنه حُلم يقظة، ما يحاول أن يظهر في غيمته حتى تُخفيه تساؤلات المثقف العراقي، فيتساءل سعد محمد رحيم " ما الجهة التي يمكن أن تكون الراعية لمثل هذه الجائزة المقترحة عراقياً، الدولة ممثلة بوزارة الثقافة، أم اتحاد الأدباء والكتّاب العراقيين، أم مؤسسة قطاع خاص تشجع الأدب مثلما هو الأمر مع الجوائز المعروفة والتي تحدثنا عنها".
العراق يحتاج لتفعيل نشاط النشر والتسويق والقراءة، والقطاع الخاص يقوم بدور جيد في هذا المجال عن طريق نوادي الكتب، وحفلات التوقيع، والسوشيال ميديا، هذه الآراء اطلقتها القاصّة ميسلون هادي، لتضيف قائلةً " إن الجائزة التي نحتاجها في العراق، هي جائزة الدولة التقديرية، وهي التي تمنح للكتاب بدون الترشيح إليها، تقديراً لإنجازهم وتكريماً لتاريخهم ومجمل أعمالهم الأدبية".
إنها أمنية أن تكون هناك جائزة باسم العراق لتنافس الجوائز العربية والأجنبية، لكن الأمنية شيء والواقع شيء آخر،
بحسّ مُرهف تجد الروائية هدية حسين "أن ظروف العراق الحالية لا تسمح بذلك من الناحية المادية، فهنالك ستة ملايين عراقي تحت خط الفقر بحسب إحصائية لوزارة التخطيط، هم أولى بالرعاية".