استمدت الروائية "إلهام منصور" في روايتها "صورة على هاتف جوّال" الصادرة عن "شركة المطبوعات للتوزيع والنشر" الصور الزمنية القديمة، القائمة على الذاكرة ومحتوياتها، بحيث تضيق وتتسع تبعاً للتسلسل الزمني الذي يقوده الرواي، عبر تقاطعات حوارية مبنية عل
استمدت الروائية "إلهام منصور" في روايتها "صورة على هاتف جوّال" الصادرة عن "شركة المطبوعات للتوزيع والنشر" الصور الزمنية القديمة، القائمة على الذاكرة ومحتوياتها، بحيث تضيق وتتسع تبعاً للتسلسل الزمني الذي يقوده الرواي، عبر تقاطعات حوارية مبنية على استدراج الزمن والعودة به الى الطربوش الأحمر، والمعطيات التاريخية التي تعيد مجد عائلات مزجتها روائياً مع شخوص توحي إليها، لتكوين روائي لبناني مغمّس بالتراث الحضاري لقرى لبنانية حدودية. احتفظت "الهام منصور" بنكهة وجودها روائياً. لتنتج الذاكرة الانسانية رحلة انسانية ذات منابع تراثية خضبتها بالعودة الى سنوات الماضي حيث القرميد الأحمر يعلو كالطرابيش الحمر في القرى اللبنانية التي تتغذى على المحبة والتعاون، وحتى على الصلح بعد خلافات بسيطة تعيد للقلوب محبتها معتمدة على الموروث القروي في تجسيد رواية حمل عنوانها من التحديث ما يجعلها تعيد للصورة قوتها التي انطلقت منها نحو الرواية، وهي على هاتف محمول خلت الرواية منه ومن حداثة عصر دخلت فيه بعد خروجها من الزمن بصورة راسخة على هاتف محمول، ليبقي العنوان هو مشهدية الزمن الذي ينسخ بعضه البعض تقنياً وتبقى الأمكنة والانسان في ذاكرة لا يمحوها الزمن ، بل! تؤكد تراثيات القرى على اهمية التاريخ اللبناني ووجوهه المختلفة في جوهر الزمان والمكان، وما تحمله القيم التراثية اللبنانية في طياتها خصوصاً التأثر بالرصد التراثي والبيئي الذي اكتسح الرواية برمتها، ومنحها الهوية التاريخية والتراثية من خلال الصور الوصفية وما تحمله من وقائع تشكل التشعبات الروائية وجماليتها في الموروثات القروية.
ما غابت المرأة اللبنانية بعنفوانها ومميزاتها المختلفة عن رواية "الهام منصور" والصورة على الهاتف الجوّال التي كانت بمثابة نهاية زمن امتد الى ما يقارب المئة عام من حياة شخص من شخوصها الروائية أو الذاكرة اللبنانية، فزوجات الشيخ خليل اللوتي كان لكل واحدة منهن دورها في حياته، كانت لهن الرمزية لشخصيات المرأة في بروزها عبر المجتمع اللبناني القديم ، وقدرتها على اختراق اجتماعي لم يمنعها من تحقيق اهدافها في الحياة والأسرة والعمل، وتكوين الشخصية الخاصة بها. إن من حيث المرأة المحترمة الحنون والزوجة الصالحة التي تبني أسرتها بالرفق والمحبة. أو تلك الجدية والواقعية والصارمة في مرافقة زوجها ومتابعة أعماله، ومن ثم المخادعة وغيرها من النساء اللوتي تواجدن في الرواية بصورة جمالية لم تبالغ فيها "الهام منصور" بل! منحتهن الهوية الحقيقية للمرأة بشكل عام وللبنانية بشكل خاص .
الكلمة اقوى من الموت وهي الدواء الذي سيسعفني لما تحمله من هوية روائية خاصة بدأت بها "الهام منصور" لتجسد رحلة بدات "من الأمور الصغيرة المتعلقة بالضيعة، الى الأمور الكبيرة المتعلقة بالسياسة المحلية والدولية. وبخاصة بعد انتشار كل وسائل الاتصال الحديثة" لتبقى الذاكرة الحية هي الصورة الحقيقة لسرد لا موت فيه، ولا انقطاع عن الاحداث التي تمت تغذيتها من خلال المواقف التي يتخذها الشخوص. لتندمج مع بعضها بانسياب مرن يضعنا أمام قرى رأس بعلبك، والوصف التراثي للبيوت القديمة من ليوان ودرج عال مؤلف من عشرين درجة، وطبقات البيوت العليا والسفلى. اضافة الى الجدران ومكوناتها التي تغلفها قشرة صلبة من الـ "كلين" وبثراء وصفي وظفته. لصالح البناء الروائي وجماليته تاريخياً، وأدبياً وتراثياً وحتى دينياً أو ايمانياً أو تحليلياً بغية ايجاد المنحى الروائي التراثي الصلب، القائم على عائلة لها جذورها الممتدة إنسانياً ولبنانياً.
تعددت الدلالات التراثية اضافة الى ابرز الأحداث التي مرت على لبنان في فترة زمنية امتدت لمئة عام قبل وصول الهاتف الجوّال. لتنحصر المهمة الروائية على استمرارية العائلة التي تعرضت للكثير من الأحداث من موت وولادة، وتغيرات في افراد العائلة، كزواج الأب بأكثر من امرأة بعد وفاة كل واحدة منهن. لتتكون الأسرة رغم صعوبات ما مر عليها هي الجسر المتين الذي عبر منه الروائي الى القراء. لترسيخ لبنانية الشخوص ومنح الذاكرة قيمة وطنية وانسانية، لا يمكن أن يتخطاها السرد دون ابراز قوتها في العلاقات المشدودة مع بعضها البعض في شتى مجالات الأجواء الروائية والأمكنة والأزمنة التي لجأت اليها "الهام منصور" لتطرح أيضاً بشكل جزئي موضوع الموت الرحيم .
أبعاد فنية وروائية زرعتها "الهام منصور" في التفاصيل الروائية المحفزة للقارئ، المنصاع الى الرحلة العمرية المنقوشة في ذاكرة تستخرج ما فيها. لتنبش تنوع الشخصيات من زوايا مختلفة. لطرح المواضيع الاجتماعية بعمق والسياسية عبر مخزونها الزمني الماثل في الاذهان بمختلف جوانبه. إذ جعلت "الهام منصور" من نسيج الرواية مسرحاً لشخوصها وبتوظيف لافت للراوي المتمسك بالحس الروائي، والقادر على الالتزام بحكايا الذاكرة وتفاصيلها قبل أن تموت وتصبح في عوالمها المخفية، ولا يبقى منها الا "صورة على هاتف خليوي". تلك الصورة التي انطلقت منها الروائية في خلق الشخوص والأحداث، بحبكة روائية لبنانية ذات نكهة تراثية ارتبطت باجتماعيات لعدّة مراحل زمنية انتقلت فيها المرأة أيضاً وفق عدة شخصيات لم تصنفها، انما سبكتها بالصياغة الروائية بمتانة وجمال. مما يعكس قيمة الرواية اللبنانية وأهميتها لما تحمله من إرث تراثي واجتماعي.