اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > التكفير بوصفه بارانويا وعقدة سادو- مازوشية

التكفير بوصفه بارانويا وعقدة سادو- مازوشية

نشر في: 5 فبراير, 2018: 09:01 م

أحسب أن نقاش الظواهر السلفية والتفكيرية والجهادية ممكن في إطار علم نفس (العُصَابَ)، كما أن نقاش مصطلحاتها ممكن في إطار اللغويات وعلم النفس اللغويّ.
من هنا يمكن إدراج (التكفيريين الجهاديين) ضمن صنفٍ واحد. فهم يمثلون ظاهرتين مُتداخِلتين: أعلى درجات البارانويا المرضية خطورة، وأكثر أشكال السادو- مازوشية sado-masochisme صراحةً وقوةً. إن تعريفاً مدرسياً مُبسَّطاً للسادو- مازوشية يبرهن على ذلك، فإذا اعتبرتُ السادية Sadisme تجلّياً لغرائز الموت، وإذا كانت مرتبطة عند فرويد بإيقاع الأذى بالشريك الجنسيّ والتلذذ بذلك، وتوسُّعاً التلذذ بإيقاع الأذى بالآخرين في حقول أخرى، بينما إذا كانت المازوشية Masochisme هي بحث عن الإلتذاذ عبر إيقاع الأذى بالذات، فإن السادو- مازوشية التي تعرّف بأنها ممارسة تستخدم، للأنا والشريك، الألمَ والتعذيب والهيمنة والإذلال بحثاً عن اللذة الجنسية (وتوسّعاَ كل لذة أخرى) تنطبق بالحرف الواحد على (التكفيريين الجهاديين السلفيين) وأشباههم، بل المتقنّعين بمعارضتهم لكن المُصطفّين معهم نفسياً، لاشعورياً وشعورياً. وحسب هذا التشخيص، لدينا الكثير من السادو-مازوشيين في العالم العربيّ – الإسلاميّ.
اليوم، هناك أمر جديد يتوجب إلقاء نظرة عليه، ألا وهو نزعتهم الاستعراضية، المسرحية التي تصل إلى حدّ إنتاج مشاهد مُحْكَمة لمناخ تاريخيّ ضارب في القِدَم، اللباس، وطريقة الحلاقة، والرايات، وأسلوب الخطاب، والهيئة.. الخ، كأننا في تمثيلية وفي محاكاة بالأحرى أكثر مما نحن في الواقع. كيف يمكن تفسير الأمر نفسياً؟ في البدء تتعلق تمثيليات ومشاهد التكفيريين الجهاديين بمفهوم المحاكاة imitation الأرسطوطاليسي مباشرة. نستطيع اليوم وضع قائمة بخصائص مفهوم المحاكاة عند أرسطو مقابل خصائصها عند فرويد. ما يبدو عند أرسطو محاكاة غريزية للعالم والبشر instinct imitation يبدو عند فرويد عملية مُماهاة processus identificatoire (التماهي، الهويّة). من جهة أخرى عملية المحاكاة تتضمن لعباً عند ارسطو بينما هي عند فرويد تُحدّد هوية الإنسان. محاكاة الآخر تتضمن سعادة للفرد عند أرسطو، بينما المحاكاة عند فرويد تجعل المرء يصير هذا الآخر. نتبين باختصار جوهر نزعة التكفيريين الاستعراضية، إذ أنهم عبر محاكاة الماضي، حرفياً، يرغبون بالتماهي معه، كأنّ هويتهم الآدمية موجودة فيه، إنهم يصيرون حرفياً هذا الماضي. هذا إذنْ الوَهْم الكامل. وما نقوله لم يَفُتْ على مواطنينا العرب بطريقة وأخرى، فقد وصفوا ظهور أمير المؤمنين البغداديّ - الخاتونيّ في الموصل بأنه نسخة من فيلم (الرسالة). يتوهّمون بأنهم في الماضي، والباقي من ترتيبات السياسة.
يبقى أن نلقي نظرة على اللسانيات بشأن معنى (كفَّر، تكفيراً). أَصل الكفر تغطية الشيء تغطية لتستهلكه، أي لتطمره. يقال إِنما سُمّي الكافر كافراً لأَن الكفر غطى قلبه كله؛ فالكفر في اللغة التغطية، والكافر ذو كفر أَي ذو تغطية لقلبه بكفره، كما يقال للابس السلاح كافر، وهو الذي غطاه السلاح، وكل من ستر شيئاً، فقد كَفَرَه وكَفَّره. والكافر الزرَّاعُ لستره البذر بالتراب. والكُفَّارُ: الزُّرَّاعُ. وتقول العرب للزَّرَّاعِ: كافر لأَنه يَكْفُر البَذْر المَبْذورَ بتراب الأَرض المُثارة، وكَفَرْتُ الشيء أَكْفِرُه، بالكسر، أَي سترته. والكافِر: الليل، لأَنه يستر بظلمته كل شيء. وكَفَرَ الليلُ الشيءَ وكَفَرَ عليه: غَطَّاه. والكَفْرُ الترابُ لأَنه يستر ما تحته.والكَفْرُ القَرْية، سُرْيانية.
بعبارة لغوية: التكفير (من كفَّر) بتشديد الفعل، يشير إلى مُراكَمة ومُراكَبَة التغطية بفعل من طبيعة مُشدَّدة وعنفيّة، وكلاهما (الطمر) بـ (العنف) يحومان في فضاء دلاليّ مريب جداً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram