في تقديري أن من المفرح أن يكون لمتحف الوفر حيّز ما في المنطقة العربية. هذا حلم لم يكن ممكناً التفكير به منذ وقت قصير، حتى مع توفر الكثير المفرط من المال قبل ذلك. كان ذلك المال يُبدّد على العسكر والمخابرات وشراء الذمم. اليوم توسّعت استخدامات المال وصارت تشمل، إضافة للاستخدامات المذكورة، الحقل الثقافيّ بعض الشيء وهذا شيء مُمتدَح. وجود لوفر بنسخة عربية صار حقيقة. فقد وضعت الاتفاقية المعقودة في أبو ظبي بين الإمارت والدولة الفرنسية الأساس لمشروع يقوم على إمكانية تنقُّل المعارف المؤسساتية ذات التاريخ الطويل، كالمتاحف العريقة، من جغرافية ثقافية أصلية إلى جغرافيات متباعدة حاضنة، مع ما يستدعيه ذلك من مغامرة معرفية وتمدُّد للفضاء الثقافيّ على المستوى الكونيّ. ولمعرفة أصل مؤسسة اللوفر، يتوجّب القول إنه كان قلعة بناها فيليب أوغوست عام 1190م في باريس، لصدّ الهجمات على المدينة أثناء غيابه للمشاركة في الحملات الصليبية. تحوّلت القلعة بعد مضي بعض الوقت إلى قصر ملكيّ عرف باسم قصر اللوفر سكنه ملوك فرنسا حتى زمن لويس الرابع عشر. انتقل الأخير إلى قصر فرساي عام 1672. ومن حينها تحوّل اللوفر، مبدئياً إلى متحف، احتوي في البداية على مجموعة من التحف الملكية والمنحوتات، ثم مع اتساع دور فرنسا الاستعماريّ وتوسّع حملات الاستشكاف والتنقيب في مصر وبلاد الرافدين واليونان وآسيا صار إلى ما صار إليه. إن جزءاً أساسيّاً من تحف اللوفر الحالية هو من سرقات فرنسا الاستعمارية. هل هي من محاسن الصدف أن ينتقل اسم قصر فيليب أوغوست الذي جاء إلى الشرق، مع ريشارد قلب الأسد، محارباً وغازياً (بين السنوات 1190 – 1199م) إلى قلب هذا الشرق عام 2017؟ هنا واحدة من مفارقات التاريخ بالأحرى.
المعماري الذي صمّم عمارة لوفر أبو ظبي هو جان نوفيل. وهو نفسه مصمّم بناية "معهد العالم العربي" الشهير، ومحطّ زيارة غالبية سيّاح باريس. وُلد جان نوفيل عام 1945 وكان يعمل مع شركة معمارية. في عام 1975 افتتح مكتبه الخاص. عمل على خلق لغة أسلوبية منفصلة عن (الحداثة) المعمارية التي أسّس لها لوكوربوزييه، وما بعد الحداثة. ينبع رفضه الانقياد إلى لغة لو كوربوزييه من أنها خنقت الكثير من العمارة الحديثة، على الرغم من أن نوفيل قد يستعير من أشكال العمارة التقليدية، خالقاً أعمالاً تتجاوز الاشتراطات المألوفة. يعير نوفيل أهمية قصوى لتصاميم متناغمة مع بيئتها والمناطق المحيطة بها. لذا تتوالد تصاميمه، في سلسلة مترابطة يخرج الواحد منها من الآخر. وفي جميع تصاميمه تقريباً، قدّم عناصر للتفاعل بين الشفافية والظل والضوء.
ملاحظتان يجدر قولهما بشأن لوفر أبو ظبي: الأولى: إذا كان هدف المتحف أن يصل بين فنون العالم العربيّ الإسلاميّ والفنون الغربيّة، يأمل المرء أن يُتاح المجال أمام المتخصّصين العرب للمساهمة في أنشطته وحفرياته، أسوة بزملائهم الفرنسيين. إنه لأمر مؤسف أن يأخذ المتخصصون الأوربيون حصة الأسد في متاحف مماثلة (كما في متحف الفن الإسلاميّ في الدوحة) ويُستبعد تقريباً المتخصون العرب بحيث لا نجد منهم سوى الإداريين والمكتبيين.
الثانية تتعلق بأصول بعض المعروضات الرافدينية والفرعونية التي قيل، بشكل مستعجل، إنها جاءت عبر السرقة والتهريب. لم يَثبت عند أية مؤسسة جادّة ومتخصصة جديرة باسمها هذا الزعم. إن التشابهات بين بعض القطع لا تسمح بهذا الزعم، وأن السرعة بالاتهام تدلّ، للأسف، على جهل عامّ بالفن وتأريخ الفن.
لوفر أبو ظبي: جسر روحيّ بين ضفتين
[post-views]
نشر في: 22 يناير, 2018: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...