شعر: أديب كمال الدين
ملك الحروف غير السعيد
اجتمعَ ملوكُ الأرضِ السعداءُ في احتفالٍ عظيم.
جاءوا من الشرقِ والغرب،
من الشمالِ والجنوب،
مُتوّجين بتيجانِ الذهبِ والفضّة،
أو بتيجانِ الفواكهِ والريش.
أو بتيجانِ الجماجم والعِظام .
كانوا بِيضاً وسُوْداً،
حُمْراً وصُفْراً،
شيباً وشبّاناً.
وبعدَ أنْ ألقوا خطاباتهم السقيمة
صعدتُ المنصّةَ لألقي خطابي،
أعني قصيدتي الحروفيّة التي تحتجُّ على الرؤوس
إذ تتدحرجُ عبثاً في الحروب،
وعلى الحروبِ التي أجّجتْ براكينَ الحقدِ والدم،
وعلى الدمِ الذي يفيضُ في شوارعِ الفقراءِ والمُعْدَمِين،
لكنَّ ملوكَ الأرضِ السعداء
منعوني من إلقاءِ خطابي
أعني قصيدتي الحروفيّة
لأنّي لستُ ملكاً مثلهم كما يَزعُمُون
ولستُ سعيداً كما يَدّعون.
حوار في الوقت الضائع
سألتني صحفيّةٌ ذات شفتين عذبتين
وعطرٍ لاذع:
صِفْ نفْسَكَ في كلمةٍ واحدة!
قلتُ: طائر.
قالتْ: طائر؟ أين؟
ثُمَّ ضحكت.
قلتُ: ما بين السماء والأرض.
قالتْ: جميل.
ثمَّ أشعلتْ سيكارةً ونفثتْ دخانَها بلطفٍ شديد.
قالتْ: إذن، فأنتَ شاعر؟
قلتُ: نعم، في الوقتِ الضائع.
قالتْ: لم أفهمْ. ما شكلُ الوقتِ الضائع؟
قلتُ: الوقتُ الضائعُ طائرٌ هو الآخر
لكنّه أكبر مني.
جناحاهُ أكبرُ من جناحيّ حَرْفي.
وحينَ يطيرُ أنسى الطيران
فأركضُ خلفَهُ مثلَ طفلٍ ضائع.
الاحتراف لا يليق بالشعراء
في هذه الأبجديةِ التي لا أوّلَ لها ولا آخِر،
أنا مجردُ حرفٍ هاوٍ.
نعم، فالاحترافُ لا يليقُ بنقطتي.
*
أنا حرفٌ أضاعَ نقطتَه
في هذا الليل الذي لا أوّلَ له ولا آخِر،
فاحتجَّ على نَفْسهِ وعلى نقطته
ثُمَّ احتجَّ على الليل
ثُمَّ احتجَّ على الاحتجاج.
*
بينَ الهلْوَسَةِ والشِّعر
خيطٌ رفيعٌ من البكاء.
*
في المقبرةِ
رأيتُ الموتى ينامون هادئين جميلين
مثل مجانين فقدوا ذاكرتَهم وعناوينهم.
*
على شاطئ البحر،
كلّما ازدادَ عُري النساء
طالتْ لحيةُ البحر.
*
جلسَ الملكُ المجنونُ على شاطئ البحر
ومدَّ قدميه في الماء
فشعرَ ببرودةٍ مُنعشة.
التفتَ إلى وزيره
وأمره بتكريمِ البحر!
*
الحرفُ رسالةٌ هائلة
عادتْ إلى مرسلِها لعدمِ الاستلام
بعدَ أنْ بقيتْ في صندوقِ بريدِ الكون
عمراً تجاوزَ عمرَ نوح.
*
وحشتي اتّسعتْ حدّ الألم
فاضطررتُ إلى اختصارِ صحرائي الشاسعة
إلى حبّةِ رملٍ واحدة.
*
هكذا فأنا مجرّدُ هاوٍ في هذه الحياةِ العجيبة.
نعم، الاحترافُ لا يليقُ بالشعراء.