د. ضياء نافع
هاينريش بول ( 1917 – 1985 ) روائي وقاص الماني معروف , وقد حاز على العديد من الجوائز الادبية , منها جائزة نوبل للآداب عام 1972 . كتب هاينريش بول عن تشيخوف في رسالة الى الصحافي الالماني أوربان في فرانكفورت بتاريخ 28 / 12 / 1983 ,وذلك بمناسبة مرور 125 سنة على ميلاد تشيخوف , إلا أن هذه الرسالة لم تنشر أثناء حياة الاديب الالماني , وقد تمّ نشرها قبل فترة قصيرة ليس إلا , وأعادت نشرها مجلة ( الادب الاجنبي ) الروسية في عددها المرقم (12) لعام 2017 . نقدم للقارئ العربي خلاصة لهذه الرسالة , لأننا نرى فيها ملاحظات فنية دقيقة وطريفة وموضوعية لكاتب الماني كبير و معاصر حول تشيخوف , ونعتقد إن هذه الآراء تستحق فعلاً الاطلاع عليها لاغناء معرفتنا بابداع تشيخوف.
يبتدأ الاديب الألماني رسالته بالإشارة الى أنه لم يكن يمتلك نقوداً لشراء الكتب في شبابه , ولكنه استطاع الحصول عندما كان عمره 17 – 18 سنة على عدة أجزاء من قصص تشيخوف , وقد طالعها باهتمام كبير, ولكنها بقيت غير مفهومة بالنسبة له , و بعد القراءة , تبلور لديه رأي محدد عن تشيخوف يتلخص في أنه – ( كاتب جاف وبارد وروتيني ) , ولم يتقبّل النهايات ( المفتوحة !) لقصصه , وهي ملاحظات طريفة واستنتاجات تتكرر عند الكثير من قراء تشيخوف في بداية إطلاعهم على قصصه , ولكن هاينريش بول يشير , الى أن هذه النهايات بالذات هي التي أثارته في القراءآت اللاحقة لتشيخوف , وإنه وجد فيها ( قوة السرد التشيخوفي ) , والتي أدّت به الى مقارنة تشيخوف بشوبان في الموسيقى , إذ أن البعض أيضاً كان يعتبر شوبان ( موسيقاراً غير جدّي !) عند الاستماع إليه للوهلة الاولى . يتحدث بول في رسالته تلك عن انطباعاته حول تشيخوف في السنوات اللاحقة , ويقول , إن نتاجاته هي الأقرب الى روسيا الحقيقية من نتاجات هؤلاء الذين يكتبون عن المشاكل الكبيرة والابطال والافكار , النتاجات التي يصفها بول بشكل ساخر وكما يأتي – ( المحشوة بالايدولوجيا التقليدية والجمود العقائدي ...), وانطلاقاً من مفهومه هذا يحدد أن تشيخوف ( كاتب واقعي كبير) , ويقول إنه هكذا ( يتصور الواقعية , ولا ضرورة للنقاش اسابيع حولها ) , ويشير الى أنه حتى غوركي هو أقرب الى المدرسة الطبيعية مما للواقعية . ينتقل الكاتب الالماني بعد ذلك الى مسرح تشيخوف , ويقول , إنه يحب قراءة مسرحياته , ويفضّل القراءة على المشاهدة على خشبة المسرح , ويوضح هذا الرأي الطريف والمتميّز فعلا قائلاً , إنه اثناء القراءة يتمكن من استيعاب أفكار تشيخوف الدقيقة , التي يعبّر عنها همساً أو بايماءآت هنا وهناك , أما العرض المسرحي , فان المخرج هو الذي يعرض نفسه هناك وليس تشيخوف , وهذه ملاحظة صحيحة فعلاً , وقد تذكرت حديثاً طريفاً جداً جرى مرّة بحضوري في أروقة القسم الروسي بجامعة باريس في ستينيات القرن العشرين , عندما تحدثت واحدة من زميلاتي من طلبة الدراسات العليا هناك ( وهي من أصل روسي ) عن مشاهدتها لمسرحية ( الدب ) الشهيرة لتشيخوف في أحد المسارح الفرنسية , وقالت – ( عندما طلب الممثل كأسا من الفودكا , فإن الخادم صبّ له الفودكا من سماور كان موجودا على الطاولة ) , وقد سألت الممثل عن ذلك , فقال – ( إن المخرج هو الذي حدد ذلك بغض النظر عن نص تشيخوف المسرحي , وذلك لأن الروس يستخدمون السماور دائما!!!) , والأمثلة كثيرة في هذا الشأن , بما فيها عروض مسرحيات تشيخوف في العراق .
يختتم هاينريش بول رسالته تلك بالتوقف عند كتاب تشيخوف – ( جزيرة سخالين ) , والذي يعده كتاباً مدهشاً وغير اعتيادي كليّا , وهو على حق طبعاً , إذ عرض فيه تشيخوف مهارته طبيباً وصحافياً وأديباً , ويتمنى الكاتب الالماني أن يقرأ هذا الكتاب (كل الذين يصطدمون أو يمتلكون أي علاقة بهؤلاء الذين نسميهم منفّذي العقوبات ) , ومن المعروف أن تشيخوف زار جزيرة المعتقلين النائية تلك وكتب وقائع الحياة الرهيبة فيها بشكل موضوعي ووثائقي , ولا زال هذا الكتاب يمتلك قيمته وأهميته لحد الآن , بل أن تشيخوف نفسه كان يعتبر كتابه هذا إطروحة دكتوراه , و التي أراد يوماً أن يحققها.
رسالة هاينريش بول حول تشيخوف – إضافة طريفة وذكية وأصيلة من كاتب ألماني في القرن العشرين للصورة الجميلة في وجداننا لكاتب روسي من القرن التاسع عشر.
جميع التعليقات 1
Noura alattal
شكرا لكاتب المقال لقد استطاع استعراض راي الكاتب يول ككاتب الماني عظيم لكاتب روسي عظيم ايضا شكرا علي الاضافة