TOP

جريدة المدى > عام > الاديب الالماني هاينريش بول يكتب عن تشيخوف

الاديب الالماني هاينريش بول يكتب عن تشيخوف

نشر في: 2 إبريل, 2018: 06:33 م

د. ضياء نافع

هاينريش بول ( 1917 – 1985 ) روائي وقاص الماني معروف , وقد حاز على العديد من الجوائز الادبية , منها جائزة نوبل للآداب عام 1972 . كتب هاينريش بول عن تشيخوف في رسالة الى الصحافي الالماني أوربان في فرانكفورت بتاريخ 28 / 12 / 1983 ,وذلك بمناسبة مرور 125 سنة على ميلاد تشيخوف , إلا أن هذه الرسالة لم تنشر أثناء حياة الاديب الالماني , وقد تمّ نشرها قبل فترة قصيرة ليس إلا , وأعادت نشرها مجلة ( الادب الاجنبي ) الروسية في عددها المرقم (12) لعام 2017 . نقدم للقارئ العربي خلاصة لهذه الرسالة , لأننا نرى فيها ملاحظات فنية دقيقة وطريفة وموضوعية لكاتب الماني كبير و معاصر حول تشيخوف , ونعتقد إن هذه الآراء تستحق فعلاً الاطلاع عليها لاغناء معرفتنا بابداع تشيخوف.
يبتدأ الاديب الألماني رسالته بالإشارة الى أنه لم يكن يمتلك نقوداً لشراء الكتب في شبابه , ولكنه استطاع الحصول عندما كان عمره 17 – 18 سنة على عدة أجزاء من قصص تشيخوف , وقد طالعها باهتمام كبير, ولكنها بقيت غير مفهومة بالنسبة له , و بعد القراءة , تبلور لديه رأي محدد عن تشيخوف يتلخص في أنه – ( كاتب جاف وبارد وروتيني ) , ولم يتقبّل النهايات ( المفتوحة !) لقصصه , وهي ملاحظات طريفة واستنتاجات تتكرر عند الكثير من قراء تشيخوف في بداية إطلاعهم على قصصه , ولكن هاينريش بول يشير , الى أن هذه النهايات بالذات هي التي أثارته في القراءآت اللاحقة لتشيخوف , وإنه وجد فيها ( قوة السرد التشيخوفي ) , والتي أدّت به الى مقارنة تشيخوف بشوبان في الموسيقى , إذ أن البعض أيضاً كان يعتبر شوبان ( موسيقاراً غير جدّي !) عند الاستماع إليه للوهلة الاولى . يتحدث بول في رسالته تلك عن انطباعاته حول تشيخوف في السنوات اللاحقة , ويقول , إن نتاجاته هي الأقرب الى روسيا الحقيقية من نتاجات هؤلاء الذين يكتبون عن المشاكل الكبيرة والابطال والافكار , النتاجات التي يصفها بول بشكل ساخر وكما يأتي – ( المحشوة بالايدولوجيا التقليدية والجمود العقائدي ...), وانطلاقاً من مفهومه هذا يحدد أن تشيخوف ( كاتب واقعي كبير) , ويقول إنه هكذا ( يتصور الواقعية , ولا ضرورة للنقاش اسابيع حولها ) , ويشير الى أنه حتى غوركي هو أقرب الى المدرسة الطبيعية مما للواقعية . ينتقل الكاتب الالماني بعد ذلك الى مسرح تشيخوف , ويقول , إنه يحب قراءة مسرحياته , ويفضّل القراءة على المشاهدة على خشبة المسرح , ويوضح هذا الرأي الطريف والمتميّز فعلا قائلاً , إنه اثناء القراءة يتمكن من استيعاب أفكار تشيخوف الدقيقة , التي يعبّر عنها همساً أو بايماءآت هنا وهناك , أما العرض المسرحي , فان المخرج هو الذي يعرض نفسه هناك وليس تشيخوف , وهذه ملاحظة صحيحة فعلاً , وقد تذكرت حديثاً طريفاً جداً جرى مرّة بحضوري في أروقة القسم الروسي بجامعة باريس في ستينيات القرن العشرين , عندما تحدثت واحدة من زميلاتي من طلبة الدراسات العليا هناك ( وهي من أصل روسي ) عن مشاهدتها لمسرحية ( الدب ) الشهيرة لتشيخوف في أحد المسارح الفرنسية , وقالت – ( عندما طلب الممثل كأسا من الفودكا , فإن الخادم صبّ له الفودكا من سماور كان موجودا على الطاولة ) , وقد سألت الممثل عن ذلك , فقال – ( إن المخرج هو الذي حدد ذلك بغض النظر عن نص تشيخوف المسرحي , وذلك لأن الروس يستخدمون السماور دائما!!!) , والأمثلة كثيرة في هذا الشأن , بما فيها عروض مسرحيات تشيخوف في العراق .
يختتم هاينريش بول رسالته تلك بالتوقف عند كتاب تشيخوف – ( جزيرة سخالين ) , والذي يعده كتاباً مدهشاً وغير اعتيادي كليّا , وهو على حق طبعاً , إذ عرض فيه تشيخوف مهارته طبيباً وصحافياً وأديباً , ويتمنى الكاتب الالماني أن يقرأ هذا الكتاب (كل الذين يصطدمون أو يمتلكون أي علاقة بهؤلاء الذين نسميهم منفّذي العقوبات ) , ومن المعروف أن تشيخوف زار جزيرة المعتقلين النائية تلك وكتب وقائع الحياة الرهيبة فيها بشكل موضوعي ووثائقي , ولا زال هذا الكتاب يمتلك قيمته وأهميته لحد الآن , بل أن تشيخوف نفسه كان يعتبر كتابه هذا إطروحة دكتوراه , و التي أراد يوماً أن يحققها.
رسالة هاينريش بول حول تشيخوف – إضافة طريفة وذكية وأصيلة من كاتب ألماني في القرن العشرين للصورة الجميلة في وجداننا لكاتب روسي من القرن التاسع عشر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Noura alattal

    شكرا لكاتب المقال لقد استطاع استعراض راي الكاتب يول ككاتب الماني عظيم لكاتب روسي عظيم ايضا شكرا علي الاضافة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد:أريش فولفغانغ كورنغولد

صورة سيفو في مرآة الوهايبي

"مُخْتَارَات": <اَلْعِمَارَةُ عِنْدَ "اَلْآخَرِ": تَصْمِيمًا وَتَعْبِيرًا > "لِوِيسْ بَاراغَانْ"

"حماس بوينس آيرس" أول مجموعة شعرية لبورخس

علي عيسى.. قناص اللحظات الإبداعية الهاربة

مقالات ذات صلة

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت
عام

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت

أدار الحوار: مارسيلو غلايسر* ترجمة: لطفية الدليمي ما حدودُ قدرتنا المتاحة على فهم العالم؟ هل أنّ أحلامنا ببلوغ معرفة كاملة للواقع تُعدُّ واقعية أمّ أنّ هناك حدوداً قصوى نهائية لما يمكننا بلوغه؟ يتخيّلُ مؤلّف...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram