شاكر مجيد سيفو
مجموعة (غبطة حضرتي) للشاعر زهير بهنام بردى، ضمّت(ثلاث مدوّنات) الاولى(ضوء آخر، الحُبّ أبجدية الآلهة)والثانية(من مدوّنات السيرة، طياّت جدّي القصخون)والثالثة( من مدوّنات السيرة، شلاما ألخّ بغديدا(أم المدن المقدسة)) ألمدوّنة الاولى ضمّت هذه القصائد(عزلة تحت الشمس، فم الخرافة في جسد الضوء، وكأني وحدي سوياً، أحياناً ظلّي كسيح) أمّا المدّونة الثانيّة فقد ضمّت هذه القصائد (هو التعيس بحكمته، كرملش، سيرة غريب، مرايا حدقات في علوة باب نركَال، قوس رخام، وتضحك ألف الخلدونية، تويج الزهرة، المغيب، المعبد، منذ كلام في منصة هذيان، بختي مرات قرب ليل، رأيتني بعد عام بالصدفة) أما المدوّنة الثالثة فقد ضمّت هذه القصائد( سفر في قوس الخليقة، مفاتيح بيتي تتكلم، في الضوء يمضي ونمضي، أتجول في رائحة الليل، غباري قبل أيام)، يشتغل الشاعر زهير بهنام بردى خارج السنن الشعرية، وينزع الى عالم الفوضى في تشعيره للجملة النصّية، وينحرف في كتاباته لإنشاء عوالم شعرية سوريالية
باذخة في إرساليات السرد وعفوية الكتابة وتداعيات الحال الشعرية وتكثيف الايجاز في بعض مناطق النصّ، ويستقدم كثيراً من النعوت للاستدلال والترجيع ونشر نواة النصّ وتشظي حتى تفتيت بنيان النصّ الى وحدات نصّية تنفرط بيئة وحدة وأخرى، لكنها لا تبدو مبتورة في بؤرتيها النصّية، رغم التفكيك المتعمد وتكثير الصور وملاحقتها دون ضابط، حيث يخضع الشاعر الى اللاوعي السيسيو ثقافي من خلال تعددية أصوات الذات الشاعرة المنفلتة، لكنه سرعان ما يقبض على الحال الشعري في اصطياده الومضة الشعرية من الوحدة السردية بكثافة رغبة الكتابة واصطياد اللحظة الشعرية المكتوبة بمختلف هواجسه وأحلامه وكوابيسه للوصول الى أقصى تخوم عالم الذات الشاعرة، (عادة ما أرسمُ في جسد الحيطان شرفات تضيءُ الظلام، أمرأة سوداء/ وساعة مُعطّلة، أجمع ما يتطاير من فم العرّافة. وأفسح الطريق أمام حروف النّص، منذ حافة ضوءٍ وأعني حافة الغوايات، وأسع الماء، أدعو التأويل، ينسى قامته في ذاكرة الضوء-ويتسع لنايات الكلام.....ص11) وتتطابق المعاني الخفية والظاهرة لينشئ الشاعر وحداته الشعرية من التماعات الومضات الشعرية بأنفتاح المفردة الدالة على المعنى البؤري المتجسدة في مفردة الكلام كما رصدتها قراءتنا في نهاية المقاطع السابقة وملاحقتها في هذه المقاطع:(دائما أنحني وكأني وحدي أجمع سوية معك وفرة كلام، يجري من صورتك الملوّنة فوق حائط كلسي مشروخ، حقاً مجرى الروح وسط البيت، أرسل اصابع يدي اليمنى. ص16) تتراكم البنى السردية في عمارة النص الشعري في معظم قصائد المجموعة بفاعلية الأفعال التي تتدفق من بداية القصيدة وحتى خاتمتها فقد لاحظنا في قصيدته( وكأنّي وحدي سوية/ص16) سيلاً هائلاً من الأفعال المختلفة (تعالي سأنحني إليك مثل نبات ابتهاجاً من جسدي في زجاجات الليل/ يجمع نجماً هاربا من السماء، وتنفذ مني كالخزف على حيطان بيضاء،أو يهذي مثل موج راكض من الطين الجري فيَّ نامت في العراء....... يتدحرج القمر فيَّ حكايات أدمنت الجداّت في حبكها ، والقمر يدفع الأفق الى فم فراشة، جسدي يلتصُقُ الضوءَ ويجرجرُ الشفق الى مدفن ماضٍ سحيق مثل حبر كتابة..ص29) من قصيدته (أحيانا ظلّي كسيح) تتداخل نمطية الملفوظات الشعرية في رصف الصورة السُّورياليّة بين مغالبة المعذبان وتكثير الرؤى التجريبية ومضانكة الذات الشاعرة في سحرها الرؤيوي للانفلات من الناظم الدلالي سعياً منه الى تكثير الوحدات الشعرية السردية، حيث يتعالق السرد والشعر ومنظومة الفنون الأخرى في معظم قصائد المجموعة، لنرصد هذه القصيدة على سبيل المثال لا الحصر(كرملش ص45) والتي تقع في (13 صفحة) بكامل السطر في كلّ صفحة، ففي هذه القصيدة(كرملش) يشتغل الشاعر على تثمير السيري الذاتي، حيث تتجاور وتتناظر أفعال الرموز والشخوص التي تتأسس في هيكلية البنى السردية، وينقطع السرد من وحدة شعرية الى أخرى بفاصلة تُمثّل تحولّات الرؤية الشعرية للذات الشاعرة من حال الى آخر، من الرؤية السوريالية الحلمية الى الرؤية التأملية، ومنها الى التصويرية اليومية المتجاورة مع توصيف الحال الشخصي للذات الشاعرة والذوات الأخر التي أستدعاها الشاعر لتوطين الحلم الإجتماعي واليوتوبي ومرايا الميتولوجي والروحي (ورحتُ أسأل التمائم السبع من سبع كنائس، زنار الحلوة بغديدا من صليب الديلمي الى قلاية جرجس ودلال ألمزنَّرة بأساور العرائس والشيوخ والشيب من المرحانة والسّمقو الى بئر مارزينا الحلو، وقد حفظها جدّي المخمور الطّيب في حياته في قارورة روح وبياض عنبر وخزائن آدم..ص59) تتجسد صور الدوّال امكانية جسدية المكان الأنطولوجي الذاتي اليوتوبي الذي يرسخه الشاعر في جسد القصيدة في تبئيره لمرموزاته(المكان اليوتوبي=بغديدا) وملحقات مرموزاته (محلة مرحانه والسّمقو وبئر مارزينا) وتستوطن صور الرموز الأخرى لفاعلة في مباهج الحياة (جدّي) و(جرجس دلال) و(صليب الديلمي) وتشع الأرموزات الأخرى الملحقة بهذه الرموز في ومن أرومة الرموز ومكانها اليوتوبي ومنها (قلاية جرحس دلال المزنّرة بأساور العرائس والشيوخ والشيب) وصليب الديلمي (وصاية جدّي) وملحقاتها التشكيلية (قارورة روح وبياض عنبر وخزائن آدم) يتفنن الشاعر في اقتران لتشكيل البصري الجديد بالمعاني الشعرية وخلق سلسلة من المعاني والصور في كثافة الإسترسال إذ تعكس هذه الكثافة ،،،،،،،،،،،،،،،، لتماثلات القول الشعري الذي يمتد الى آفاق الحادثه الشعرية الضاربة في كل الأزمنة منذ كلكامش وحتى جدّ الشاعر وأبيه وقد رصدت قراءتنا هذه المشهدية الزمكانية في قصيدته (سيرة غريب ص58)(وقد حقنها جدّي الحالم بأوردته وسلمها الى ولده بهنان الأفندي بعيداً هناك في بيت أربائلو ص59) من صور الميتافيزيقيا والسوريالية رصدت قراءتنا هذه المقاطع مثالاً شعريا متوهج في تمظهرات ميكانيزمات الإنزياح والتشكيل البصري للمعاني بقوة إشعاع الكلمات/ (وأطلق سراح جغرافية. تنام في مذود أخيها التاريخ، يضحك الهواء) وينقطع الشاعر الى أرخئة المكان من سراج الجغرافية الى توقعه في نقطة دالّه حضارية (الأرض في متحف ساحة التحرير وأمّ البروم والشلالات، تقف على قدميها بفستان زفاف من محلات أوروك في الفيصلية الى حبيبها الخوصر النخيل من الجوع والأشنات والقاذورات وعمال الزراعة والبلديات والعقود ص64) من قصيدته( مرايا حدقات في علوة باب نركال) تبتدئ في قصائد الشاعر مقاربات الفوضى الساحرة في انتقالات الخطاب الشعري من فوضاه الرؤيوية الى الوصف بآقترانه بأسطورة الشاعر الشعرية الخلاّقة وحمولة السرد، وما الشعر الا مقاربة الفوضى في قصائد الشاعر زهير بهنام بردى.