ثائر صالح
واحدة من سوناتات بيتهوفن (1770 – 1827) للبيانو والكمان التي كتبها في سنة 1801 وتقع في أواخر مرحلته الاولى، إذ جرت العادة على تقسيم أعماله إلى ثلاث مراحل، اولى ووسيطة ومتأخرة. وقد دامت الاولى حتى 1802 وهي مرحلة التأثر المباشر بالعملاقين هايدن وموتسارت، ودامت الثانية من 1803 حتى 1814. تميزت بالصراع مع مرض الصمم الذي بدأ يسلبه أثمن ما يملك الموسيقي على الاطلاق، وهي مرحلة البطولة والصراع ألف فيها الكثير من أعماله العظيمة مثل سيمفونياته الثالثة (البطولة) والخامسة (القدر) وكونشرتو الكمان وسوناتات بيانو خالدة. أما المرحلة الأخيرة فقد تميزت بعمقها وكثافتها. تميزت هذه المرحلة بتجديده القوالب الموسيقية مما أسهم في فتح الأبواب أمام الحركة الرومانتيكية القادمة.
تحمل السوناتا رقم 5 (عمل رقم 24) في سلم فا الكبير، وهو سلم "محبوب" من قبل الموسيقيون الأوربيون وبالذات بيتهوفن (كتب به سيمفونياته السادسة والثامنة، وعددا من الرباعيات الوترية وسوناتات البيانو). أهداها لواحد من رعاة الفن والفنانين الكونت موريتس فون فريس، وقد أهداه كذلك خماسية وترية (في دو الكبير) وسوناتا كمان اخرى وكذلك سمفونيته السابعة. كانت هذه السوناتا اولى الانجازات النازعة للانفلات من هيمنة تراث القرن الثامن عشر وكلاسيكية هايدن وموتسارت. فهي أول سوناتا تخرج عن اطار الحركات الثلاث (سريع بطيء سريع) المعتاد وفق الفهم الهايدني للسوناتا. فقد تألف من أربع حركات هي 1 - سريع، 2- بطيء بالكثير من التعبيرية، 3- سكرتسو – سريع أكثر، وأخيراً 4- روندو - سريع لكن دون افراط. هذا الترتيب في الحركات يقربنا كثيراً من حركات السيمفونية، خاصة استعمال السكرتسو في الحركة ثالثة مثلما هو المعتاد في شكل السيمفونية آنئذ، رغم أنها أقصر حركة سكرتسو كتبها على الاطلاق. خرجت كذلك عن إطار السوناتا المعروف وقتها بسبب غنائيتها التي لربما كانت السبب وراء تسميتها بسوناتا الربيع، وهي تسمية اطلقت عليها بعد عقود من وفاة بيتهوفن.
تعتمد السوناتا إسلوب "الحوار" بين الكمان والبيانو، فالأداتان تتحاوران في توازن، فهي اذن ليست سوناتا كمان يصاحبه البيانو، بل سوناتا للكمان والبيانو، بالضبط كما يدل عليها العنوان الذي وضعه بيتهوفن. ألحانها غنائية، ورقيقة خاصة في الحركة الثانية. كانت تلك فترة سعيدة نوعاً ما في حياة بيتهوفن المريرة، فقد انتزع من الجمهور الفييناوي اعترافاً واضحا بعبقريته سواء في مجال مهارته في العزف على البيانو أو في التأليف. وقد تطرقت الى شيء مشابه في كلمتي قبل ثلاثة اسابيع عن التحدي الذي وجهه اليه عازف البيانو شتايبلت. آنئذ لم تظهر بعد الغيوم الداكنة في حياته بسبب زحف الصمم الى اذنيه، رغم وعيه بمشاكل السمع التي بدأت تصيبه منذ تسعينيات القرن التاسع عشر. لكن مع وعيه بتعاظم صممه مع مرور الوقت، ازداد عزمه وتصميمه على تقديم فناً أرقى. في هذا التصميم بالذات تتجلى عبقرية بيتهوفن بأبهى مظاهرها.