شاكر لعيبي
المعركة اليوم على الأراضي المحتلة، كما مدينة القدس، على أشدّها، ولا تتوقّف على قوة الجيوش، وتمتدّ حتى السجلات التأريخية والوثائق البصرية والأدلة الأثرية.
من أوضح صور مدينة القدس على العملات النقدية الصليبية، الرسم على ختم بالدوين الثالث (1130 – 1162م) "ملك القدس" في الفترة ما بين 1143 إلى 1162م. في عهده وصلت الحملة الصليبية الثانية إلى القدس وانضمّت إليها عساكر مملكة بيت المقدس. هاجمتْ دمشق وهُزمت وفَشلت. لكننا نرى في العملة هيئة الصليب على مسجد قبة الصخرة بدلاً من الهلال. كما أننا نرى، على ختم بالدوين الثالث صورة الملك نفسه، أما في القفا فنرى قبّة الصخرة وكنيسة القيامة (أو كنيسة القبر المقدّس). في قمة المسجد الأقصى وضع الصليبيون صليباً، بينما تظهر الكنيسة يساراً بفتحة نحو للسماء. في الوسط نرى ما نظنه أبراج سور مدينة القدس. فقد كان شعار القدس هو (صورة برج داود) بين قبة الصخرة والكنيسة، ويحيط سور بالمدينة. ظهرت الصورة نفسها على ختم بالدوين الرابع (1161 - 1185)، الذي حكم خلال الفترة (570 هـ - 579 هـ/ 1174-1183م). ونرى الآن، في عملته، الهلال على قبة الصخرة.
الصورة نفسها على ختم (دمغة) أيمري Aimery، وهو أمالريكوس الثاني أو أيمري دو لوزينان، ملك القدس بين 1197 – 1205م. أما ختم جان دي بريين الذي كان ملك بيت المقدس بين السنوات 1210 – 1225م فقد احتفظ بصورة الهلال فوق القبّة.
من المثير معرفة أن ختم رئيس "فرسان الهيكل" يقدّم بالأحرى قبّة الصخرة. نموذج الختم الذي بين أيدينا يرقى لعام 1255م. لكن لدينا أمثلة أقدم، تعود لـبيير دو مونتيغو PIERRE DE MONTAIGU، وفيه تظهر القبة في الختم يعلوها الصليب. أما النقش فيقول باللاتينية (معبد المسيح). وهذا الفهم يناظِر مفهوم القديس برنار دو كليرفو Saint Bernard de Clervaux لهذا الأثر الإسلاميّ العريق بصفته (معبد الجنود)، ويطابق رؤية البابا هونوريوس الثاني في 1128 لأعضاء الجمعية بصفتم (الفارس في بيت الله ومعبد سليمان). ومن هذا المنظور عينه، تُعتبر قبة الصخرة مبنية على باحة معبد دمّره الملك سليمان فأصبح كنيسة بعد احتلال الصليبيين للقدس عام 1099. مع ذلك، تجدر ملاحظة أن قبة الصخرة، بعد استعادة القدس من قبل صلاح الدين ومعركة حطين في 1187م، أي في زمن بيير دي مونتيغو قد أعيد لها الاعتبار بصفتها صرحاً من صروح الإسلام. ولما توطّد الأمرُ، وطُرد "فرسان المعبد" من مقرّ إقامتهم في القصر المواجهة يومها للقبة، أعيدت لها تسميته الإسلامية المألوفة "المسجد الأقصىّ”.
يتساءل الخبراء لماذا ظل الختم يشير إلى قبة الصخرة بصفتها علامة رمزية لفكر جماعة "فرسان المعبد" المسيحيّ؟ يتخذ الخبراء من ختم عام 1255م الذي نستشهد به هنا دليلاً، فالنقش هنا يذكر كلمة قد تعني (قبراً، بناءً بقبّةٍ على قبر)، وإذنْ فأننا أمام "قبة معبد المسيح" أو "قبر معبد المسيح".
لكن القبول بذلك يقود إلى اعتبار أن تصميم الختم لا يمثل قبة الصخرة، إنما يُمثّل القبر المُقدّس، وهذا يعني أن المرجع الرمزي للفرسان لم يعد عودة قبة الصخرة مرة أخرى مكاناً لحجيج للمسلمين، وأنما انتقال "مقرّهم المفهوميّ" من الأقصى إلى كنيسة القيامة. وهنا من جديد لا يوجد توافُقٌ أو قبول مشترك بين الخبراء على قراءة النقش.
فرسان الهيكل، المُلقّبون بالداوية في المراجع العربية. من التنظيمات العسكرية الأكثر نفوذًا وأبرز ممثلي الاقتصاد المسيحي.
إن الرسوم على هذه العملات تجعل منها وثيقة بصرية تأريخية، وهي مأخودة على سبيل المثال، فما أكثر هذه العملات المرسومة المنسيّة في التاريخ العربيّ– الإسلاميّ.