علي حسين
كنت أنوي الكتابة عن ذكرى مرور نصف قرن على انتفاضة الطلبة في فرنسا، وهي الاحداث التي دفعت سياسياً ومحارباً بحجم ديغول أن يقدم استقالته وينفي نفسه إلى قرية في الجنوب كي يكون بعيداً عن مجرى الأحداث، بعد أن خرج الطلبة يتظاهرون ضده وهم يحملون لافتات كتب عليها:"ديغول ارحل،عشر سنوات تكفي لكي يتقاعد الرجل الذي أنقذ فرنسا من سطوة هتلر، ووضعها في مصاف الدول العظمى، لم يجد غير جملة واحدة قالها لمساعديه"سأرحل، لا شيء أهم من فرنسا مستقرة"، إلا ان الأنباء نقلت إلينا خبراً مفرحاً هو عودة"المجاهد"ماجد النصراوي الى البصرة، وتتذكرون معي أنّ النصراوي غادر في ليلة ظلماء الى موطنه الأصلي أستراليا، بعد أن"خمط"ما خفّ حمله من أموال المحافظة.
ولأننا شعب طيّب توقعنا أنّ الكبار في الكتل السياسية سيدركون أنّ الشعب لايريد عالية نصيف ورفيقتها زيتون حسين، ولايعشق طلّة خلف عبد الصمد ولديه حسّاسية من كاظم الصيادي وأسامة النجيفي، لكن يبدو أنّ هذه البلاد العجيبة، لا تستطيع العيش من دون رموز سياسية، وسيضاف لهم رموزجديدة من عيّنة حمد الموسوي.
أعود لذكرى ثورة الطلبة، حيث أعدّت قراءة الكتاب الشهير للفيلسوف هربرت ماركوز"الإنسان ذو البعد الواحد"، وهو الكتاب الذي أشعل الثورة عام 1968 في محاولة فهم تلك السنوات التي كان فيها هذا الكتاب بمثابة الإنجيل بالنسبة للشباب الأوروبي في ستينيات القرن الماضي، التمرد والمطالبة بالتغيير، رفض الأستمرار لنفس الوجوه، رفض الجمود، رفض المهادنة، ماركوز وضع إصبعه على الجرح الذي تعاني منه أوروبا، حيث استبدلت دكتاتورية الفاشيين والنازيين بدكتاتورية ناعمة تسعى الى استغلال الإنسان وتحوله الى ترس في ماكنة جديدة أو كما يقول ماركوز:"تم تحويل الحياة إلى بقاء عامر بالأزمنة الميّتة.
يكتب ماركوز في رسالة الى الطلبة : لاتجعلوا من صناديق الانتخابات عائقاً أمام التغيير.. عليكم أن تدركوا ببساطة أن التغيير الحقيقي ليس مجرد صناديق، بقدر ما هو تفكيك لبنية الحكم".
في ذلك الوقت كان ديغول محاطاً بالكاتبين أندريه مالرو وفرنسوا مورياك. ولكن في الخارج كان ماركوزيقول للطلبة"حين يطمس التغيير تحت شعارات سياسية زائفة تصبح الديمقراطية مجرد واجهة لسرقة أحلام الشعب"
ومع اعتذاري الشديد لصناديق الانتخابات التي أصرّت على أن تحرمني من طلّة الزعيمة حنان الفتلاوي!.