علي حسين
في كلّ صباح ومع الانشغال بالبحث عن سطر من كتاب، أقدّمه للذين يتابعون"جنابي"وهم ينتظرون ماذا في جعبتي للمساء، وأعرف أنّ العديد من القراء الأعزاء يريدون مني أن أترك الحديث عن تقلبات حنان الفتلاوي، وقفزات سليم الجبوري، والبشارة التي حملها لنا عزت الشابندر من أن حظوظ فالح الفياض في الجلوس على كرسي رئاسة الوزراء قوية جداً.. والسبب كما يقول الشابندر، لأنه محبوب ومرغوب وسهل الهضم..ولأننا في حديث عن الزعامات الكبيرة، اسمحوا لي أن أتحدث عن السيدة جرابار كيتاروفيتش رئيسة كرواتيا التي شاهدناها تخالف الضوابط الدبلوماسية والأمنية وتجلس بين المشجعين تهتف باسم فريقها، ولم تنسَ أن تلبس فانيلة الفريق، السيدة الحاصلة على بكالوريوس في الأدب الإنكليزي وتتقن ست لغات، زعيمة لبلد يعيش أهنأ مراحله.
ابنة المحامي عاشت سنواتها الأولى ضمن جمهورية يوغوسلافيا تحت قيادة
جوزيف تيتو، الميكانيكي الذي أصبح واحداً من أهم شخصيات القرن العشرين، والرجل الذي تجرأ على الاختلاف مع ستالين الذي قال له : لماذا تريد جيشاً يوغسلافيّاً قوياً؟ نحن جيشك. ليجيب تيتو: شيئان لا يمكن استيرادهما، الوطنية والجيش! منذ جلوسها على كرسي الرئاسة والسيدة جرابار لا تكفّ عن إدهاش مواطنيها. فهي تمارس عملها بعفوية من دون حمايات وجكسارات وسيارات مصفحة. وقالت للذين سألوها لماذا تقطع تذكرة الذهاب الى المونديال من جيبها الخاص، وتجلس في الطائرة مع الركاب العاديين :"ذهبت كمشجعة تحب وطنها ولست في مهمة رسمية". كم هو مهم أن يلغي المسؤول نفسه في سبيل أن يقدم نموذجاً محترماً للعالم، أعتقد أننا عشنا مع هذا النموذج، فالرئيس فؤاد معصوم عيّن بناته الثلاث مستشارات، وأخاه الأكبر، كبيراً للمستشارين، والأصغر للاستشارات السريعة، وفي كل إجازة يذهب في طائرة خاصة إلى لندن وطنه الأصلي، لينفض عن نفسه تراب بغداد!
بعد مئة عام سوف يذكر التاريخ أنّ بلداً مثل تايلاند خاض ملحمة إنسانية كبرى لإنقاذ 12 طفلاً ابتلعهم كهف عميق، حيث هرع الملك ومعه رئيس الوزراء ووزير الدفاع وحكام المقاطعات يتقدمهم عشرات الغواصين من مختلف انحاء العالم، ليقولوا للعالم أن لاقيمة أغلى وأهمّ من حياة الإنسان، من دون الاعتبار للدين والطائفة، ومرّة أخرى بماذا يذكّرك هذا المشهد، بالتأكيد النواب الذين رفضوا عبور أطفال الأنبار جسر بزيبز واعتبروهم وسيلة لنشر الإرهاب، مثلما أخبرنا العلّامة موفق الربيعي.