علي حسين
لم يخطر في باله أنّ الفصل الذي استبعده من روايته الشهيرة"بقايا النهار"سيباع بمليون دولار، كان أديب نوبل كازو إيشيغورو، قد احتفظ بهذا الفصل الذي لم يعجبه في بداية الأمر، لكنّ جامعة تكساس رأت فيه مفتاحاً للدخول إلى عالم هذا الروائي المثير للدهشة.
في بقايا النهار، نقرأ عن رئيس الخدم الذي يعيش في قصر قديم يجد نفسه يتحول مثل المتاع من سيد الى آخر، وعليه أن يكون مخلصا إن لم يكن عبداً، إنه في خدمة هذا المكان حتى وإن تغير صاحبه، هو في خدمة الولاء المطلق، فهو لايصلح سوى لدور واحد هو دور التابع، سيقول البعض ياله من بطر، الناس تخرج في تظاهرات بمدن العراق وأنت تكتب عن روائي ياباني، لكنني ياسادة أكتب عن الولاء للآخرين، فمنذ أسابيع تندلع رحى حرب طاحنة في مواقع التواصل الاجتماعي، وكلها تطرح سؤالاً واحداً: مَن يقف وراء تظاهرات البصرة؟ السيد نوري المالكي بأريحيّته المعهودة، يحذر من اختراق"البعث"لتظاهرات الجنوب ويكشف لنا سراً خطيراً :"المتظاهرون يريدون إسقاط الدولة". صاحب السبع صنائع باقر جبر الزبيدي وبشطارته وضع يده على أصل المشكلة، التظاهرات تريد تقسيم العراق :"أتحدث عن معلومات مهمة أن مؤامرة خلف الباب تستهدف إحياء مشروع تقسيم العراق"، ولا أعرف عن أيّ وطن يتحدث السيد الزبيدي، وهو الذي كلما واجهت حزبه"المجلس الأعلى"مشكلة يذهب الى الجارة إيران يطلب الرأي ويتلقى الأمر.
لا يريد ساستنا أن يعترفوا بأنّ هذا الشعب يملك شجاعة الاحتجاج، فهم يريدونه تابعاً لهم، مثلما هم تابعون لبلدان الشرق والغرب، لكنهم رغم ذلك يوزّعون"الأجندات الأجنبية"على المتظاهرين، فيما يحاول"جهابذتهم"تلقيننا دروساً في فنون الوطنية.
لم تقدّم التجربة السياسية خلال الخمسة عشرعاما الماضية للعراقيين معنىً واحداً للولاء الوطني، لا أمان، لاخدمات، ولا بناية نتباهى بها.
على مرمى حجر من البصرة أغنى مدن العالم، تستقرّ مدن مثل الدوحة ودبي والشارقة والكويت وأبو ظبي حيث يسابق حكامها العالم في التنمية والإعمار والازدهار.. ونحن نقرأ عن التنمية والإعمار من الصحف فقط وكان آخرها مانشيت قال فيه العبادي : مقبلون على عمليّات استثمار كبيرة.. متى؟ الجواب معروف، في الأول من كلّ نيسان!