شاكر لعيبي
ساجلنا طويلاً على هذه الصفحة نفسها بشأن تسمية "الفن الإسلاميّ"، واقترحنا إيجاد بديل لها طالما تعلق الأمر بـ "أسلوب" جماليّ معروف. بصفته أسلوباً فهومحايد عقائدياً. وذكَّرنا بإلحاح أن هذا الفن ليس فناً دينياً، بالمعنى الضيق للكلمة، على غرار مثلاً "الفن المسيحيّ".
الفن الإسلاميّ لم يكن تجريدياً حصرياً وليس تشخيصياً، وقد عالجتْ منمنماته التشخيصية مختلف المواضيع كما نعرف في مثال الشهير الواسطيّ. عالجتْ أيضاً موضوع (الأجساد العارية) منذ وقت مبكر زمن الدولة الأموية رسماً ونحتأ، وفي مختلف الفترات اللاحقة على استيحاء وتحت ذرائع سرد القصص الدينيّ، كقصة أدم وحواء.
سأتوقف هنا أمام رسوم قصر عمرة (724-743م) الأمويّ.
إن الفريسكات المُصوّرة على جدران هذا القصر الأموي الذي اكتشفه أليوس موزيل Aloys Musil، الواقع في الجنوب الغربي من مدينة عمان الحالية، يثير السجال حول الفنانين المسلمين الأوائل، وقدرتهم على استجلاب موضوعات العُرْي في فن التصوير مثلما نراها في القصر. بعض فريسكات القصر قد أعيد تصويرها ونشرها في العديد من الكتب الخاصة بالفن الإسلامي بسبب أنها، كما أعتقد، تقدم تمثيلات لأجساد عارية.
ثمة في هذه الفريسكات مشاهد لشخصياتٍ مستلهمة من الأيقونية الميثيولوجية اليونانية، تمثل الفكر والتاريخ والشعر، وأسماؤها مكتوبة باليونانية. يطرح اتنغهاوزن تساؤلاً عن مدى معرفة المالك الأول لهذه التصاوير بتلك اللغة؟ ثمة مشهد في القصر يُمثِّل ستة ملوك مع نقوش كتابية باليونانية والعربية تسمّي أربعة منهم. يلاحظ أتنغهاوزن أن الكتابات اليونانية في هذا القصر "قد أشبعتْ بأخطاء وحذوفات، إضافة إلى أن الخطوط الخارجية قد خُطـَّتْ قبل وضع الألوان، الأمر الذي يعني أن الفنان لم يكن يتقن التعبير اليوناني لكنه قادر على تحرير كتابات بالعربية ونسخ مفرداتها بإملاء صوتي، لذلك عليه أن يكون متقناً للغة العربية أو أصيل تلك المنطقة. ولأن من الممكن أن يكون من بين الفنانين عربياً غير مسلمين، فقد تفاجأ العلماء بالكتابة التي تمتلك يقيناً لكنة مسيحية". وملاحظة إتنغهاوزن المتعلقة بضعف معرفة الفنانين الشاميين يومذاك باللغة اليونانية تتطابق بشكل دال مع الملاحظات الموثَّقة للباحثة بولين دوسيل- فوت عن الكتابات على بلاطات كنائس بلاد الشام المؤرّخ لها بالفترة السابقة مباشرة لظهور الإسلام. يتعلق الأمر دون شك بفنانين شاميين يتكلمون الآرامية أو العربية، ويعرفون أطرافاً من اليونانية.
للأسف الشديد تعرَّضت الكثيرُ من تصاوير قصر عمرة للتلف، وأعيد بناء بعضها بداية القرن في مؤلفات الباحثين الأوربيين. كان القصر مكاناً للاستجمام في البادية وتقع قربه بئرٌ للاستحمام. من هنا وفرة صور العاريات على جدرانه. لم يجد الأمويون حرجاً في وضعها في مكانٍ للخاصّة، لا يتصل به العامة ولا يرونه. هذه التصاوير هي من تقاليد صور الحمّامات المخفية في العالم الإسلاميّ التي سيتحدث عنها بعد وقت طويل الإمام الغزالي مستهجناً. من البديهي - وهو ما ينساه مؤرخو الفن الإسلامي- أن تتأثر بلاد الشام أيضاً، جوار تقاليدها التاريخية، بتقاليد بيزنطة التي خضعتْ لها وقتاً طويلاً حتى مجيء الأمويين. تقاليدها فيما يتعلق بالرسم عموماُ أو بالرسم في الحمّامات خصوصاً.
أما منحوتات قصر عمرة العارية، فلها حديث طويل، بسبب ارتباطها بتقاليد النحت التدمريّ السابق للإسلام، أي عدم تقليدها بالضرورة للأسلوب الرومانيّ – الأغريقيّ وابتعادها النسبيّ عن قوانين الجمال الأنثوية التي يتبعها