شاكر لعيبي
يساعد "المعجم السومري – الأكديّ - العربي" الضخم الصادر عن دار كلمة في أبو ظبي في معرفتها، والإجابة على السؤال، إذا ما وقع تتبعها بموضوعية. فهي وصلتْ عبر الأكادية (اللغة ذات القرابة اللغوية مع العربية) التي استعارت الكثير من المعجم السومري وانتقل ما استعارته إلى العربية. لعلّ العكس من الأكادية إلى السومرية ممكن أيضاً في لحظة تعايشهما الطويل. هذا هو المبدأ الأساسيّ في تقديرنا، وليس تلك التخمينات والأمنيات والاشتقاقات المتحمسّة التي نقرأها هنا وهناك، كأن يقال لك بخفةٍ وسذاجةٍ أن التعبير الشعبيّ العراقيّ (شكو ماكو) من أصل سومري.
لا يشدّد المعجم على النقطة التي نذكرها هنا، ويمكن استنتاجها بيسر بعد تأمل وتتبع غير مضن، ومعرفة الانزلاقات الصوتية والإبدالات المعروفة جيداً في علم اللغة.
عندما يدفعك الفضول، في سياق مختلف، كأن يكون استقصاء المفردات الخاصة بالأعضاء الجنسية العربية، وبعض أفعاله، ستتأكد من هذه الحقيقة مواربة. فعندنا كنا في صدد البحث، عَرَضَاً، عن الفعل العبرانيّ المتصل بالمجامعة (يادَاع)، عرفنا، عرضاً مرة أخرى، ان السومريين يُسمّون الفرْج موقاُ، (موق mug وفي الأكادية والبابلية نين - ماق: (Nin-mag) = نين [أي سيدة]- وماق أي فرج) = فرْج السيدة. وبدت الكلمة لنا من صلب اللسان العربيّ اللاحق أيضاً.
فأنتَ تجد، تحت مادة مَقَقَ، في لسان العرب، قوله "أَصابه جرح فما تمَقَّقَه أَي لم يضره ولم يُبالِه. وذكر أَبو عبيدة أن المقّ هو الشق. ومَقَقْتُ الشيء أَمُقُّه مَقّاً فتحته. ومَقَقْت الطَّلْعة شققتها للإبار". من الواضح هذا الاتصال بين فكرة الشقّ، والتسمية السومرية (موق، ماق) التي كانت تشير في الغالب للفرْج بصفته المشقوق كالجرح. بل أن قولهم شققت طلعة النخلة للإبار، هو فعل جنسي نباتيّ صريح، وقد كتبنا عن ذلك في مناسبة أخرى.
وهنا يستدعي الموضوع، رؤية كميّة المفردات السومرية الباقية في "لسان العرب"، عبر تحولاتها الأكدية والبابلية. ولا يحتاج الموضوع بالضرورة إلى متخصّص أكاديميّ مُغلق، بل متأمّل دقيق في المعجم السومريّ، ثم المعجم الأكدي، ثم العربيّ، دون أوهام أو إسقاطات شعبية أو حماس وطنيّ.
خذ كلمةً عربيةً أخرى من أصل أكدي: اللبّ وهي كلمة قديمة تجدها بمعناها العربيّ نفسه في القاموس الأكديّ. لبُّ كلِّ شيءٍ، ولُبابُه أي خالِصُه وخِـيارُه، وقد غَلَبَ اللُّبُّ على ما يؤكل داخلُه. وخالِصُ كلِّ شيءٍ هو لُبُّه. لُبُّ كلِّ شيءٍ من الثمار داخلُه الذي يُطْرَحُ خارجُه، نحو لُبِّ الجَوْز واللَّوز. ولُبُّ الرَّجُل هو (ما جُعِل في قَلْبه من العَقْل)، وهذا هو المعنى الأكديّ بالتمام. وفي نص أيروتيكي أكدي تُستخدم هذه المفردة بعينها: ناش لبي.
ويمكن الافتراض مثلاً وجود أصل ساميّ قديم لمفردة لسان العرب (الأُتُوم) من النساء وهي التي التقى مسلكاها عند الافتضاض، وهي المُفْضَاة. وهو من أَتَم يأتِم إذا جمع بين شيئين. قال الشاعر (أيا ابن نخاسية أُتـوم). وقيل، الأُتوم هي الصغيرة الفرْج.
ويقين كاملٍ نستشهد بالمعجم الأكدي بشأن أتانو atānu أنثى الحمار، لنعود إلى فعل اللسان (أتن) ثم الأَتَان وهي المرأة الرعناء على التشبيه بالأتان (أنثى الحمار، الحمارة). وقيل لفقيه من العرب: هل يجوز لرجل أن يتزوج بأتان؟ قال: نعم. وأَتَن بالمكان ثبت وأقام. قال آباق الدبيري (أَتَـنْـتُ لها ولم أَزَل في خِبائها - مقيماً إلى أن أنجزتْ خلتي وعدي). والعرب يسمّون أحياناً أتان كل "مركوب" على المطلق، وهذا يفسّر أن أتانو atānu الأكدية قد تُطلق لديهم أيضاً على الفرس.
يبقى السؤال الجذريّ فيما إذا لم يستخدم الأكديون أو أي شعب سامي آخر الأتان للمرأة الرعناء، والإقامة بالمكان، والكلام الغاضب، واستعارة للصخرة الصمّاء، كما يستخدمه لسان العرب؟ وقسْ على ذلك أفعالاً ومفردات أخرى كثيرة، أيروتيكية صريحة أو وقحة من المُشترَك بين اللسان العربيّ والألسنة السامية، المرتبط بعضها بالسومرية بتحويرات لغوية دون شك.