اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > تلويحة المدى: دلالة اشتقاقية، أم نزعة مجازية أصلية في لسان العرب ؟

تلويحة المدى: دلالة اشتقاقية، أم نزعة مجازية أصلية في لسان العرب ؟

نشر في: 1 يوليو, 2019: 06:58 م

 شاكر لعيبي

في مجموعة متقطعة لكن ما زالت متواصلة من الأعمدة في "المدى" عن (شعريات لسان العرب)، أظنّ بأننا قد ألححنا على فكرة تزعم أن اللسان يركن إلى الدلالات المجازية والاستعاريّة،

أكثر مما يعتمد على الدلالات الحقيقية للمفردات. وذكرنا أن موضوع "الحقيقيّ" و"المجازي" ظل يُشكّل سجالاً بين المعنيين القدامى بشأن لغة القرآن، إذ رفض بعضهم أن يَستخدم القرآن لغة مجازية، ووافق بعضهم. 

نحنُ، ونحن نركز على "الشعريات" في استخدامات المعجم، أمْيَل لفكرة المجازيّ. ونحاول ببعض المغامرة المحسوبة القول إن المعجم العربي يَستند في نهاية المطاف إلى الدلالة المجازية للأفعال التي نُسي أثناء الاستخدام الطويل لها أنها مجازية بحيث اعتُبرت وكأنها الدلالة الحقيقية لها.

الفعل سَجَدَ مثلاً قد يوضح فكرة تطور الدلالة "الاشتقاقية" من الحقيقيٍّ إلى المجازيّ الذي اعتُبر حقيقياً.

تم اقتراض الفعل سَجَدَ من السريانية الكلاسيكية التي يعني فيها الفعل نفسه حرفيا (رتّب ومُرتّب وترتيب، وجهَّز أو خطّط، تنظيم أو سوّى") ، فتطور باللغة العربية إلى معنى سَجَدَ يَسْجُدُ سجوداً وضع جبهته بالأَرض، والمسجِد الذي يُسجد فيه، وكل موضع يُتعبَّد فيه فهو مسجِد. وأَسجَدَ الرجلُ طأْطأَ رأْسه وانحنى، وكذلك البعير؛ قال الأَسدي أَنشده أَبو عبيد "وقلنَ له أَسجِدْ لِلَيْلى فأَسجَدَا" يعني بعيرها أَنه طأْطأَ رأْسه لتركبه؛ وقال حميد بن ثور يصف نساء "فُضولَ أَزِمَّتِها أَسجَدَتْ سجودَ النصارى لأَرْبابِها"، يقول: لما ارتحلن ولوين فضول أَزمَّة جمالهن على معاصمهن أَسْجدت لهن؛ وسجدَت وأَسجدَتْ إِذا خفضت رأْسها لتُرْكَبَ. وفي الحديث "كان كسرى يسجد للطالع" أَي يتطامن وينحني والطالِعُ: هو السهم الذي يجاوز الهَدَفَ من أَعلاه. ويعود اللسان في نهاية عرضه إلى القول إن سجد تعني خضع، ويذكر أن "السجود يكون بمعنى التحية".

ومن هذا المعنى الدينيّ أو شبه الديني المستعار من الآرامية والمنسيّ معناه الأصليّ عربياً، يذهب اللسان إلى معان ثانوية، في غاية الشعرية: الإِسجادُ هو فُتورُ الطرفِ، عين ساجدة إِذا كانت فاترة، والإِسجادُ هو إِدامة النظر مع سكون وإِمراضُ الأَجفان، وسجدتِ النخلةُ إِذا مالت. 

هذا الانحراف الدلاليّ العميق بين لغتين توأمين وفي الحروف الثلاثة نفسها س ج د، يشير إلى أن المجازي هو المهيمن على العربية أكثر من أختها السريانية. في أحسن الأحوال يدلّ على أن الفعل المشير في الآرامية إلى الامتثال لنسق معين، قد تطوّر في العربية الى فكرة الانحناء وحده، وفي الصلاة خاصةً. الفعل نفسه بالعربية ينحرف انحرافات مجازية كبيرة أخرى كسجود النخلة وفتور العينين وإدامة النظر. وهذا خلاف الفعل (هَجَدَ)، من أصل سرياني أيضا بحروفه، الذي يعني في السريانية سَهر، صلَّى بالليل، رَكَع، هاجد. ساهر، مُصَلٍّ بالليل، راكع، هُجود، سَهَر، رُكوع. فهو ينطوي على المعنى ونقيضه: السهر والنوم، كالعربية تماماً التي اعتبر فيها من الأَضداد، ومنه قيل لصلاة الليل: التَّهَجُّدُّ. وإذا أخذنا الأصل الآرامي بنظر الاعتبار، فلا يبدو الفعل هجد من الأضداد، وهو ما يشرحه ابن فارس قائلاً "الهاء والجيم والدال أُصَيْلٌ يدلُّ على ركودٍ في مكان. يقال: هَجَد، إذا نامَ هُجُوداً. والهاجد: النَّائم؛ وإن صلَّى ليلاً فهو متهجِّد، كأنَّه بصلاته تركَ الهجودَ عنه". وهو هنا يَصِلُه بأصله الأراميّ.

عندما تذكر اليوم فعل السجود، لن يذهب الذهن سوى إلى الصلاة الإسلامية أو الخضوع العبودي الدنيوي على وجه المقاربة أو طأطأة الرأس لضرورةٍ، فقد نسي المعنى الأصليّ، السرياني الواقع في الترتيب والتسوية والتخطيط. ونحسب أن أفعالاً كثيرة تشتغل بالطريقة نفسها حتى لو لم تكن موصولة بأية لغة أخرى، اعني راسخة في المعجم العربيّ نفسه، وفي لغة العرب المتميّزة بذاتها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

اليوم ..خمس مباريات في انطلاق الجولة الـ 36 لدوري نجوم العراق

بدء التصويت في انتخابات فرنسا التشريعية

"واتساب" يختبر ميزة جديدة عند الفشل بارسال الصور والفيديوهات

تطوير لقاحات جديدة للقضاء على الحصبة نهائياً

الأونروا: سكان غزة فقدوا كل مقومات الحياة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram