TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > التلازم الموضوعي بين الديمقراطية وحقوق الشعب الكردي (2)

التلازم الموضوعي بين الديمقراطية وحقوق الشعب الكردي (2)

نشر في: 10 يناير, 2004: 07:13 م

خمسة عقود من النضال

شكلت ثورة 14تموز 1958 انعطافة في مسيرة الحركة القومية للشعب الكردي، بادراجها نصا في الدستور المؤقت يقر بشراكة الكرد لاشقائهم العرب في العراق الجمهوري.

ويحسب للزعيم المغدور عبد الكريم قاسم اهتمامه ورعايته لقائد الشعب الكردي الملا مصطفى البارازاني وصحبه العائدين من الاتحاد السوفيتي، والتعامل معه كرمز وطني عراقي بارز.

وكان عبد الكريم قاسم في موقفه هذا ابعد نظرا، واعمق احساسا بالمسؤولية، من الاحزاب المشاركة في جبهة الاتحاد الوطني التي رفضت قبول الحزب الديموقراطي الكردستاني آنذاك عضوا فيها، الا بصيغة غير مباشرة عن طريق الحزب الشيوعي العراقي.

وعبرت بذلك عن ضعف ادراكها لمكانة القضية القومية الكردية في البنيان العراقي، ودورها في حماية الثورة وتكريس منجزاتها، وفي تأمين مستلزمات اقامة النظام الديموقراطي.

وبغض النظر عن مسؤولية هذا الطرف او ذاك عن انتكاسة العلاقة بين عبد الكريم قاسم والحركة القومية الكردية، والصدام المسلح بينهما، فان الاوضاع السياسية في البلاد شهدت تضعضعا وتدهورا مستمرين منذ ذلك الوقت، تأججت خلالها الصراعات بين القوى والاحزاب والتيارات على اختلافها، وانهارت كليا مع نجاح الانقلابيين في اقامة سلطتهم صبيحة 8 شباط على اشلاء الحركة الوطنية وبحر من دماء الالاف من الشهداء ومئات الالاف من المعتقلين والمطاردين وضحايا القمع والتصفيات الجسدية. ونال الشعب الكردي قسطه الاوفر من الموتى والجرحى والمهجرين قسرا، والاف القرى والارياف المدمرة والمحترقة. واذا كانت ثورة تموز منعطفا ايجابيا بالنسبة للشعب الكردي، فان انقلاب 8 شباط دشن مرحلة دموية ومحرقة دائمة الالتهاب، لم تختتم فصولها الماساوية، إلا في آذار عام 1991 مع نجاح انتفاضة اذار، ولم تتوج بتحول نوعي لصالح الاستجابة للمطامح القومية المشروعة للكرد حتى يومنا هذا، حيث تعاد مناقشة القضية كما لو انها تثار الان لأول مرة وبالمفردات التي ظلت مثار نقاش مستمر ليس بالوسائل السياسية بل عبر القصف والتدمير والابادة بالسلاح الكيمياوي على ايدي القيادات والانظمة الاستبدادية التي تعاقبت على حكم البلاد منذ انقلاب 8 شباط 1963.

وفي مجرى تطور السجال بين قيادة الحركة القومية الكردية، والانظمة المتعاقبة، ونتيجة لفشل المحاولات المستميتة لحل القضية من قبلها بقوة السلاح، ولاسباب كشفت الاحداث اللاحقة طابعها التكتيكي المخاتل، الهادف أصلاً للانفراد باطراف الحركة الوطنية، اقدمت سلطة البكر - صدام حسين على ابرام اتفاقية 11 اذار عام 1970 مع قيادة الثورة الكردية، اقرت فيها حق تقرير المصير، وصاغتها في اطار حكم ذاتي، مشددة على ادانة اي حل بوسائل العنف لهذه القضية الحيوية للشعب العراقي، واعتماد المفاوضات السياسية - السلمية سبيلا وحيدا للحل.

لكن هذه السلطة نفسها، صاغت مشروعها للحكم الذاتي، بما يمكنها من افراغه من اي محتوى حقيقي، ويجرده من المكاسب التي اقرها، عبر تكريس مركزية تخلو من اي مرونة او استجابة لما يحمي الشعب الكردي ويقيه من تكرار مسلسل الابادة وتحويل مؤسسات الحكم الذاتي الى مجرد هياكل ميتة لا حول لها ولا قوة.

واستثمر صدام الهدنة والمراوغة لاعادة ترتيب اوضاعه وتأمين مستلزماتها السياسية والعسكرية تمهيدا للانفراد بالسلطة المطلقة لحزبه اولا وله شخصيا في نهاية المطاف، كما سعى خلال ذلك لاطفاء شعلة الثورة باغتيال البارازاني وتفجير الاوضاع في كردستان من جديد.

لكن الاهم في مجرى هذه التطورات، هو رفض تحديد منطقة الحكم الذاتي، على النحو الذي يبرز هوية الاقليم الجيوسياسية وشروعه باتخاذ تدابير واجراءات لعسكرة المنطقة عبر فتح خطوط مواصلات وطرق استراتيجية عسكرية وقلاع وربايا محصنة وتشكيلات عسكرية، تؤشر كلها الى النهج اللاحق للسلطة.

قد استحدث على عجل سياسة “التعريب والتبعيث” لتغيير الطابع السكاني التاريخي لمدن كردستانية، مركزاً على مدينة كركوك بشكل استثنائي.

والتطورات اللاحقة فضحت ما كان يبيته صدام حسين للشعب الكردي بوجه خاص وللشعب العراقي بوجه عام، حيث وقع اتفاقية الجزائر مع شاه ايران، تنازل فيها عن شط العرب، ليتفرغ لتحقيق الهدف الرئيسي من وراء إبرام الاتفاقية وهو الانفراد بالثورة الكردية وتصفيتها، بل لكي تشكل هي ايضا نقطة وثوب للاستيلاء على السلطة والانفراد المطلق بها.

ثم توالت المخططات التدميرية لنهج صدم حسين: الاجهاز على حزبه، وتصفية قياداته، الحرب ضد ايران، احتلال الكويت، وسلسلة عنترياته خلال سنوات الحصار وصولا الى نهايته المذلة بانهيار سلطته وتسليم البلاد الى المحتلين.

ثمة محطات اساسية في حروب الانظمة المتعاقبة ضد الشعب الكردي وحركته القومية، ولكل تلك المحطات دلالات سياسية عميقة انعكست ابعادها على كامل مسار الحركة الوطنية، وتركت بصماتها على مصائر البلاد.

لكن الدلالة الاساسية الاهم والاعمق تأثيرا في مجرى الاحداث وفيما آلت اليه اوضاع بلادنا وشعبنا، تجسدت في الترابط العضوي بين نضالات الشعب الكردي لتحقيق مطامحه القومية، ونضالات الشعب العراقي بكل مكوناته واطيافه من اجل الديموقراطية ودولة القانون!

ولهذا لم يأت اختيار القيادة الكردية لشعارها المركزي (الحكم الذاتي الحقيقي لكردستان والديمقراطية للعراق)،مصادفة بل عبرت بذلك عن وعي عميق بهذا الترابط الجدلي، والمصير المشترك.

ان شعار “الحكم الذاتي الحقيقي لكردستان والديمقراطية للعراق” الذي تبنته القيادة السياسية للشعب الكردي طوال سنوات كان خير تعبير وتجسيد لتغليب خيار الوحدة، وليس الانفصال، وهو ما انغرس في وعي المناضلين الكرد والعرب بعمق، الذين تصدوا لمهامهم النضالية انطلاقا من روح هذا الشعار ومحتواه الذي يدلل على حرص الشعب الكردي وقيادته القومية على التعايش مع اشقائهم العرب والقوميات والاعراق المتآخية في عراق ديمقراطي موحد.

وهذا الهدف المتمثل في خيار الوحدة وليس الانفصال هو الذي يجسده شعار الفيدرالية الذي تبناه برلمان كردستان بالاجماع، وهو برلمان منتخب لأول مرة في تأريخ العراق ويعبر عن الإرادة الحرة للشعب الكردي...، وهذا الهدف وليس غيره هو ما تسعى وتناضل في سبيل تحقيقه القيادة السياسية للشعب الكردي وممثلوه في مجلس الحكم

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram