اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > المصالحة الوطنية، والديمقراطية...(1)

المصالحة الوطنية، والديمقراطية...(1)

نشر في: 14 يناير, 2004: 07:16 م

يقترب موعد استحقاق نقل السلطة إلى العراقيين، ومع إقترابه تشتد حرارة الوضع السياسي في البلاد، وفي الجوار، وفي أروقة الأمم المتحدة،

 في حين تتشظى الحرارة في واشنطن بسبب تداخل الاستحقاق العراقي مع الانتخابات الأمريكية.

وهكذا يظل العراق مركز استقطاب عالمي، وكأن فيه تصنع السياسة العالمية وتتقرر وجهتها ومصائر قادتها وأدوار صنّاع القرار.

لقد ولّى نظام الاستبداد الذي كان يخيّم بأشباحه على دول الجوار والعالم العربي، بما كان ينطوي عليه من تهديد وتخريب وتفريق؛ وكأن هذا الغياب وما خلفه من إنهيار للدولة وفوضى ضاربة في كل حدب وصوب، شجع من كان العراق مصدر فزع له على التمادي في التدخل بشؤونه وإدعاء الوصاية عليه، لا فرق بين صغيرها وكبيرها، الخاضع للإرادة الأمريكية وربما الإسرائيلية والأسير لديهما...،

لا فرق بين قطر والسعودية وتركيا وإيران وغيرها من الدول والأطراف المتنافرة!

وهي على كل حال، حالة لا تدوم، لكن ما يُخشى منه أن تستند إليها بعض الأطراف والقوى العراقية، حديثة التأثير والتواجد في العراق الجديد، لجر العراقيين إلى العزلة والتمرد على محيطه العربي والإسلامي، ناهيك عن تحريضهم على الاستنفار واليقظة إزاء بعض جيرانه الذين يتمادون في تدخلهم دون أي ضابط أو رادع!

وإذا كان مثل هذا الواقع على حرارته، أمراً طبيعياً في ظل أوضاع غير طبيعية، فإن ما يفاقمه ويمده بأسباب التجرؤ “وقلة الحياء أحياناً” (من وجهة نظر دبلوماسية، طبعاً)، تنافر أصوات وإرادات العراقيين واستمراؤهم التخالف والاختلاف في كل شؤون البلاد، والظهور بمظهر العاجز، غير البالغ سن الرشد طالب الوصاية لا النصح من الآخرين.

إن من غير اليسير في ظل الظروف الراهنة واختلال موازين القوى، وتحكم السيد بريمر، تصفية هذه الظاهرة السلبية التي لا تقتصر نتائجها المباشرة على إضعاف أي مسعى لوضع العراقيين أمام مسؤولياتهم التأريخية، وتشجيعهم على اللقاء حول طاولة الحوار والتفاعل للوصول إلى ثوابت وطنية، وتوافقات واتفاقات، بل قد يزيّن لهم الاتكال على الغير ووضع مستقبل البلاد ومصائره تحت تصرفهم.

وليس من باب الإدعاء أو التكهن ما يقال في أروقة مجلس الحكم والوزارات من أن البعض لم يعد يستغني عن استشارة السيد بريمر، مع أن هذا الأخير يشدد في تصريحاته على ضرورة اعتماد العراقيين على أنفسهم والتعود على اتخاذ القرارات وإنجاز استحقاقات المرحلة الانتقالية. وليس أقل خطورة من الإتكال، تحويل هذه الاستشارات إلى استقواء وشغب وتشويش على الآخرين.

والملفت أن العراق الذي يبدو كما لو أنه عاصمة القرار السياسي للعالم ما دامت تستقر فيه واشنطن وتتلاعب بمقدراته وهي “سيدة العالم بلا منازع” ، ، يظل هامشياً ومتلقياً قدر تعلق الأمر بتقرير شؤونه وتحديد وجهة تطوره. إذ لا حول له ولا قوة، إلى أجل غير مسمى، ما دامت السيادة للإنفلات الأمني والفوضى السياسية وتضارب المصالح وتراجع دور الأحزاب بين الناس، وتآكل سلطة مجلس الحكم بسبب إنغلاقه على نفسه قبل كل شيء.

صحيح أن العامل الخارجي، أصبح بفعل الاحتلال والإنهيار عاملاً مقرراً، إلا أن هذا الواقع ليس قدراً محتوماً لا فكاك منه، ولا إمكان لتجريده ولو بالتدريج، وبخطوات وتدابير واثقة ملموسة، من عناصر قوته ومصادر تحكمه.

وفي مقدمة التوجهات والتدابير الممكنة، لاستعادة المبادرة الوطنية وتهميش العامل الخارجي وتوظيفه لصالح العوامل الداخلية، معافاة الحياة السياسية، وتصفية كل ما له علاقة بعهود القهر والاستبداد، وإيقاف دورة العنف والعسف والتصفيات الجسدية السياسية التي أنهكت الشعب ودمرت طاقات البلاد، والتصدي بحزم ودون هوادة لنبذ أساليبها وتقاليدها وموروثاتها.

قد تبدو هذه الإمكانية صعبة من وجهة نظر التبسيط السياسي والفكري، لكنها تستمد واقعيتها وضرورتها من الحاجة لانتشال بلادنا من الأزمة التي ظلت تعيد إنتاج نفسها منذ عقود، وإيقاف دورتها التي أزهقت أرواح الملايين، وبددت أكثر من ألف مليار دولار من ثرواتنا، ومسخت الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية وإعادتها إلى مفرداتها الجنينية المتخلفة القديمة،.. المجردة من قيمها الإيجابية.

إن العنوان الرئيسي لهذه المهمة يتجسد من حيث الجوهر، في سياسة ونهج التسامح في إطار دولة القانون، والمصالحة الوطنية وقيمها وآلياتها.

وبدون الشروع في إنجاز هذه المهمة النبيلة التي يستحقها شعبنا المنهك والمنتهَك السيادة..، يستحيل استنهاض العراق ووضعه على طريق الديمقراطية، ونهوض شعبه!

فمن أين تبدأ المصالحة،..

وما هو مفهومها...،

وما هي سبل تحقيقها..،

ومن أين نبدأ....

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram