اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > في مفهوم الضحية والجلاد..اصوات من قبر الديكتاتور

في مفهوم الضحية والجلاد..اصوات من قبر الديكتاتور

نشر في: 25 أكتوبر, 2007: 08:30 م

فخري كريم

التباين والاختلاف، وحتى حجب الثقة عن الحكومة في اطار العملية السياسية الديمقراطية، ظاهرة تعكس جوهر النظام الديمقراطي.

والمواجهات السياسية الحادة في معالجة القضايا العقدية هي الاخرى سياق ديمقراطي، وقد تصل في بعض الاحيان في البرلمانات الديمقراطية الى التراشق بالكراسي، والاقلام الرخيصة.وبغض النظر عن تقييم الكيفية التي تم بها اسقاط النظام الأستبدادي المتسلط، بالقوة الباطشة، فان العملية السياسية التي أطلقت بعدها وشاركت فيها كل القوى والمكونات السياسية والاجتماعية، خلقت ظرفا مؤاتياً نموذجياً لمشاركة المعارضين فيها حتى من بين الناطقين السابقين باسم النظام او من كان حتى اللحظة الاخيرة من سقوطه من بين نشطائه في مجالات حساسة، شملت سائر الميادين: الاعلام والشؤون الخارجية والمالية ومواقع بارزة في مؤسسات الدولة والوزارات السيادية، بل وحتى حملة السلاح بوجه النظام الجديد وضد المواطنين الملثمين منهم او غير الملثمين!. ومن بين هؤلاء وما اكثرهم من لم يكن يجرؤ على الاقتراب من موائد خدم مرافقي صدام حسين او زبانيته.

كل هذا دليل عافية وتعبير عن المساحة المضيئة التي افرزها النظام الجديد وهو في طور التكوين في ظل الاحتلال او في مرحلة السيادة المنقوصة ولا بد من ان تتسع هذه المساحة من الحريات لكل المواطنين وتتكرس كظاهرة في الحياة السياسية وتسن القوانين وتتخذ التدابير التي من شأنها تعميق ممارستها وحمايتها من تطاولات العابثين ذوي الاطماع في اعادة الحياة لدورة الاستبداد والاستباحات بحق المواطنين والبلاد.

ان التوافق من حيث الجوهر اطار سياسي واجتماعي واسع الطيف للمشاركة في الحياة السياسية في ظل النظام الديمقراطي الجنيني ولصيانته، وبهدف بناء تجربة وطنية عراقية فيدرالية تعددية تحول دون استمرار التصفيات السياسية بقوة السلاح واعتماد الديمقراطية وصناديق الاقتراع كأداة وحيدة كفيلة بارساء قاعدة الوحدة الوطنية على اساس المواطنة الحرة والمشاركة في ادارة شؤون البلاد.

كما ان المصالحة الوطنية كمفهوم هي تجسيد لصيغة التوافق السياسية بين سائر الاطياف والمكونات، ومفهوم المصالحة لا يستقيم بدون طرفين، يتعذر عليهما التوافق والتشارك، دون اعتذار من طرف وتسامح من طرف آخر.

وقد قدمت تجربة جنوب افريقيا وملهمها نلسون مانديلا نموذجا حيا معاصرا على ترابط مفهوم المصالحة وصيغة التوافق.

ان ذاكرة الشعب العراقي انهكتها مسلسلات التصفيات والجرائم التي استبيحت بها ارواح المواطنين على الهوية الطائفية او بسلاح القتلة والمجرمين في ظل الفوضى والانفلات الامني الذي كان النتيجة المنطقية لعقود التسلط والاستبداد وللانتهاكات والخطايا التي ارتكبها الاحتلال الذي فرضه القيصر بول بريمر وممارسات ملوك الطوائف وميليشياتهم.

لكن هذه الذاكرة لم تفسدها المظاهر الاجرامية التي شهدها العهد الجديد، كما ان ضمير العراقيين لم يهتز لكي يتجاوز الاستباحات التي اغرقت شعبنا وبلادنا في ظلمات عصور الوحشية التي مرت بها البشرية.

فالتصفيات الجسدية السياسية التي شملت كل اوساط شعبنا وقواه السياسية بمن في ذلك بعثيون رفضوا الانصياع لنهج الدكتاتور السافر، والحروب الداخلية والخارجية التي ادت الى ازهاق ارواح مئات الالاف من ابناء شعبنا وتبديد مئات مليارات الدولارات وتخريب البنى التي تراكمت منذ تكوين الدولة العراقية، ليست قابلة للمقايضة او النسيان المجاني.

لكن ذلك كله، كما يبدو ليس قابلا لطي صفحاته عند البعض فحسب، بل وللتسويق بسفاهة ووقاحة منقطعة النظير بوصفها بطولات ورجولة ووطنية ودفاعاً عن شرف وكرامة الامة!

ليس ذلك فحسب ، بل ان الضحايا والاحزاب والقوى التي تصدت للدكتاتورية، بل والشعب العراقي بكامله من وجهة النظر هذه مطالبون بطلب العفو والسماح من زبانية النظام السابق ومرتزقته ممن لم يكن يجرؤ احدهم على الاقتراب من موائد خدم صدام وازلامه ممن هم اعضاء في مجلس النواب او قادة في مواقع سياسية بارزة.

على الضحايا ان ينهضوا ما دام التحدي والاستفزاز بلغ هذا المستوى من الانحطاط عليهم ان يتصدوا لهؤلاء الذين تجرأوا على شتم الشهداء من ضحايا النظام السابق واسرهم والتلويح برفع العصا على الشعب في الاوان الذي يتوهمون بأنه آت لا ريب فيه.

هل ينبغي ان يسكت مجلس النواب على تطاولات بعض اعضائه من مرتزقة صدام حسين الذين احتفظت الفضائيات بصورهم واصواتهم النشاز حتى لحظة سقوط الدكتاتور وهي تدافع عنه؟

هل علينا ان نرضخ لمفهوم هؤلاء الذي يستبدل مواقع الضحايا بالجلادين؟ هل هذا هو مفهوم المصالحة والتوافق؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

الستراتيجيّةُ العمياءُ وراءَ فاجعةِ الكرّادة..

في حُمّى "الهَلْوَسةِ السياسيّةِ" استرخى وزراءُ "الغَمْغَمَةِ" واللَّك..!

بينَ اليأسِ والإحباط مساحةٌ مضيئةٌ للصمت ..!

الموت حين يُصبح طقساً عابراً بلا مراسيم تشييع للفقراء .!

"بــيــروت مـــديـنـتــي".. وعـيـــنٌ عـلـــى بــغــداد ...

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram