TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الافتتاحية:نهاية النظام العربي الرسمي:حقبة أفول الملكيات المطلقة والجمهوريات الوراثية

الافتتاحية:نهاية النظام العربي الرسمي:حقبة أفول الملكيات المطلقة والجمهوريات الوراثية

نشر في: 18 إبريل, 2011: 07:26 م

فخري كريم

اكتسح الغضب الشعبي النظامين الشموليين التونسي والمصري، ولا يزال هذا الغضب يواصل خوض أكثر من جولة دامية لإزاحة العقيدين الملتاثين،

القذافي وعلي عبد الله صالح، ويواصل زحفه على ملكيات وجمهوريات لم تتعظ بعد من مصائر أنظمة ورؤساء، ثبت أنهم أشباه رجال بمجرد انزياح هيبة السلطة عنهم  وانطفاء أضوائها وتسللها من قصورهم ليرافقهم إلى معتقلاتهم وسجونهم.

تداعيات صعود الغضب إلى عروش وكراسٍ رئاسية وراثية

ستستمر بالتفاعل لتطيح ببعضها وتعيد تكييف البعض الآخر، لكنها وهي تفعل ذلك، ستدفع رغم المقاومة والتسويف باتجاه خلق بيئة سياسية جديدة يتهاوى بتأثيرها ما ظل سائداً منذ تشكل الدول العربية بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية.

لقد أنتجت الدول المذكورة في مجرى تكونّها، والانقلابات التي تعرضت لها بين حين وآخر أنظمة ملكية وجمهورية شمولية استبدادية، صاغت لنفسها وفيما بينها أنماطاً من العلاقات وأُطراً تنظيمية عربية وإقليمية ودولية تتناسب مع طبيعتها وتستجيب لمصالحها، وتشكل عامل حماية لها في مواجهة شعوبها.

 وبسبب الطابع القمعي لهذه الأنظمة، فإنها لم تكتف بتكريس الأطر الرسمية العربية لتعبر عن سلطتها المطلقة بتحديد دورها الذي لا يخرج عن إرادة كل دولة فيها، عبر ما جرى التعارف عليه في مختلف صيغ وأطر العمل العربي المشترك، بضرورة "الإجماع" على أي قرار أو عمل أو نشاط، بل استطاعت هذه الأنظمة أن تجرد أي إطار مشترك "شعبي"، بغض النظر عن طابعه المهني أو الإنساني أو الثقافي أو غيرها من الاستقلالية التي تمنحها قدراً من التأثير أو الفعالية أو المصداقية.

 ولم يكن ممكناً غير ذلك، إلا باستثناءات محدودة، وفي فترات تاريخية ارتبطت بتحولات شبه ديمقراطية في هذا البلد العربي أو ذاك، أو اقتراناً بصراعات ومحاور حتّمت احتضان أو دعم مبادرات لمنظمات وتجمعات عربية شعبية، لكن هذه أيضاً لم تكن تتمتع سوى بهامش من الاستقلالية لا تخرج عن التصور العام للدولة أو الدول الراعية والداعمة لها التي كانت تسعى بشكل مستمر لإخضاعها لنهجها ومواقفها عبر أجهزتها أو المنظمات التابعة لها. وهذا الوضع أراح الأنظمة الاستبدادية ومكنها من معالجة أزماتها الداخلية والإمعان في شل إرادة شعوبها وقمعها، دون خشية كبيرة من إثارة ضجيج خارجي متعاطف، خصوصاً في ظل تواطؤٍ دولي اميركي وأوربي بحكم تحالفاتها وهيمنتها على قرار الأنظمة العربية أكثر مما هي عليه الآن.

إن نظرة موضوعية إلى مسيرة ودور جميع الأطر العربية الرسمية، بدءاً بالجامعة العربية وقممها وما يتفرع عنها من تنظيمات وقرارات، سيتبين أنها لا تخرج عن سياق شكلاني لا مضمون موحداً فيه ولا تأثير له على المصائر المشتركة أو على مواجهة التحديات أو درء المخاطر عن هذا البلد العربي أو ذاك. كما أنها لم تستطع على الصعيد الاقتصادي أن تخلق مناخاً يساعد على التقليل من التفاوت بين البلدان فاحشة الغنى والبلدان الفقيرة، أو تنشيط التجارة البينية، أو اتخاذ خطوات فعلية تمهد لإرساء أسس وطيدة لسوق عربية تكون رافعة للحد الأدنى من المزاعم الوحدوية. فالجامعة العربية وكل المنظمات واللجان التي تمخضت عنها، بُنيت على الإجماع في قراراتها الإستراتيجية والهامة، ولم تترك إلا هامشاً جزئياً لقضايا لا أهمية ولا تأثير لها على الوجهة العامة مما يواجه العالم العربي.

وأكاد اجزم، من مشاهدتي العيانية ومتابعتي للقمتين الأخيرتين بالإضافة للقمة المصغرة التي عقدت على هامش بحث مقترح إصلاح النظام العربي، الذي قدمه علي عبد الله صالح وتلقفه بحماس العقيد المخبول الآخر معمر القذافي، إن القادة العرب لا يأخذون بجدية حتى ما تبقى من صيغة العمل المشترك المتمثل في الجامعة العربية. إن مجرد الاطلاع على الأوراق الإصلاحية التي طرحت والمناقشات التي قادها العقيد القذافي بالأسلوب الذي تكشّف الآن لكل من تابع خطاباته المخبولة، والمداخلات الداعمة له من شبهه العقيد اليمني، سيتأكد أن الأمر لا يخرج عن ملهاة لهواة لا يجمع أغلبيتهم جامع بالهم العربي الشعبي وبالمعاناة التي ترزح تحت ثقلها الشعوب العربية وبالمخاطر التي تتهدد العالم العربي.

  لقد تضمن الاقتراح تحويل الجامعة العربية إلى "اتحاد الدول العربية"! وتغيير بنيته التنظيمية والقيادية بحيث تنسجم مع هذا التغيير، فيشترك في قيادتها رؤساء وزراء ووزراء وتتشكل في إطاراتها مجلس وزراء يضم كل الوزارات العربية، وقد تستدعي الصيغة القيادية الجديدة استقرار بعض رؤساء الوزراء والوزراء بالتناوب في مقر "الاتحاد" الوليد!. والملهاة لا تكتمل إلا بتضمين آليات الإطار الجديد للعمل العربي المشترك "انتخابات" في جميع الدول العربية  للبرلمان العربي إحدى تجليات الاتحاد؟! لقد واجه الملوك والقادة العرب مأزقا وحرجاً فاق قدرتهم على تجاوزهما، ولم يكن أمامهم مناص عن إبداء تنازل أمام العقيد الذي هدد انه سيبحث عن خيار آخر إذا لم يوافق القادة على "الاتحاد".. فجرى التوافق على تغيير اسم الجامعة العربية إلى "اتحاد جامعة الدول العربية"، وحفظ بذلك ماء وجه الجميع وحصل كل واحد منهم على حصته من الوليد الجديد.!

لقد جاءت عاصفة الغضب العربي لتجهز على هذا الاتحاد الذي أريد له أن يكون كمينا آخر يخدّر ويخدع الشعوب العربية ولو إلى حين، ويمنح القذافي لقباً آخر إلى جانب ألقابه التي اشتراها بأثمان غالية من رصيد الشعب الليبي المبتلى به. ولم يعد ممكناً هذه المرة، وليس كما أراد القذافي باتحاده، استمرار صيغة العمل العربي المشترك الحالي في إطار الجامعة العربية وقيادتها وتشكيلاتها . لان النظام العربي قد تفسخ وحكم على نفسه بالسقوط حتى قبل انفجار الغضب الشعبي وانهيار اكبر نظام حاضن له ، وتوالي تصدع أنظمة تنتظر السقوط تحت ضربات حركات جماهيرية لا سابق لها من حيث جرأتها وحيويتها واستعدادها على المغامرة والتضحية حتى تحقيق الهدف.

إن أفقاً آخر يظهر في الحياة السياسية في بلدان عربية وينتظر أن يظهر في بلدان أخرى.. ومع هذا الظهور تتغيّر أنماط وعلاقات العمل داخل البلد العربي الواحد، لا يمكن للجماهير التي أجهزت وتواصل إجهازها على الدكتاتوريات أن تقبل بأقل من حياة دستورية، قد تتفاوت فيها مستويات نضج الديمقراطية وطبيعة النظام السياسي بين بلد وآخر، إلا أن الجامع المشترك هو الحياة الدستورية والتوجهات الديمقراطية بإطارها العام، والاهم فيها هو التداول السلمي للسلطة وعبر الانتخابات.

مثل هذه التطورات ستغير معها تركيبة قوى المجتمع المدني والقوى السياسية والمنظمات، وبما يستجيب لمتطلبات وتطورات الحياة الجديدة وبناء الدولة وسلطاتها في داخل أية دولة يطولها التغيير، وبهذا الصدد تحتاج منظمات المجتمع المدني والاتحادات والنقابات إلى إعادة تغيير أنماط عملها وتفكيرها وعلاقاتها على وفق ما تقتضيه متطلبات العمل في دولة ديمقراطية تكون معها تلك التكوينات المجتمعية متحررة من الوصاية والتابعية لأجهزة الحكم والتطفل عليه.

 ولن تكون العلاقات البينية الإقليمية بمنأى عن هذه التغيرات وعن تبدل خارطة المصالح والعلاقات.

لقد فوجئ النظام السياسي العربي بعاصفة التغيير وأسلوب التغيير، لذلك لم يتح له أن يرتب أوضاعه لمواجهة العاصفة بشكل جماعي، إذا استثنينا حراك درع الجزيرة في البحرين ومحاولة اتحاد دول الخليج بهذه الصيغة أو تلك التأثير في مسار الحدث اليمني، وساعد في هذا التمزق وضعف رد الفعل المشترك فقدان الثقة بين الأنظمة والخشية المتبادلة من كسر حاجز أنظمتها الأمنية التي يستهدف بعضها بعضا.

التغيير مستمر، ومعه يتغير نظام العلاقات العربية الذي ستجد جامعة الدول العربية نفسها أمامه في مآزق كثيرة، ربما بدأت تتلمسها الآن.. وإذا ما كان أمين عام الجامعة السيد عمرو موسى قادرا على امتصاص بعض هذه المآزق وتخفيف صدمتها، فأنه استطاع ذلك بفعل عوامل عديدة، لعل من أهمها انه في نهايات فترة عمله في الجامعة مما يجعله متخففا من الضغوط والاملاءات، إضافة إلى ما وفرته له أجواء مصر الجديدة من حرية ومرونة وورقة قوة في التعامل مع حكومات عربية هي في أسوأ لحظاتها واضعف حالاتها.

لكن الجامعة ستتغير، ويتغير نظام عملها ومهامها..تبعا لتغير النظام الإقليمي الذي تعمل فيه، فيما التفكير بالطريقة القذافية الهوجاء نحو اتحاد إقليمي لدول ديمقراطية هو تفكير سابق لأوانه، يتطلب في ما يتطلبه استقرار ورسوخ الأنظمة الجديدة وتوفرها على حياة دستورية تكون معها هوية الدول وأنظمتها السياسية واضحة بما يكفي لمعرفة التفكير المستقبلي للدول، وموقع أي منها في خارطة التغيير من جهة وفي خارطة العلاقات الدولية.

كل هذا يتطلب تخطيطا مبكرا ومساعي لعمل فاعل داخل البلدان أنفسها وفي علاقاتها البينية، ويتطلب منا في العراق الخروج من دائرة البحث عن قبول من قبل دول المنطقة لنظامنا الذي لم يعد جديدا وفريدا، إلى أفق آخر أوسع يفهم إمكانات البلد وقدراتها وقيمة مركزيتها في المنطقة، وهو ما يبدو حتى الآن غائب عن اهتمام النخبة السياسية الحاكمة

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram