علي حسين
الأقسى من الصور المؤلمة التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي للطفلة رفيف التي ماتت بسبب أن مستشفى الديوانية لا يملك جهاز ناظور،
في الوقت الذي نهبت عشرات المليارات من موازنة وزارة الصحة في زمن "اتقياء حزب الدعوة" ، والأقسى من التقرير الذي أصدرته دائرة الطب العدلي والذي يؤكد أن السجين ماهر راضي عبد الحسين ، مات بسبب من شدة التعذيب داخل مركز شرطة في النجف ، الأقسى من كل ذلك أننا من جديد نتجرّع الحقيقة بمذاقها المرّ، وهي أنّ المواطن بلا ثمن، ولا أهمية، مجرّد رقم يضاف إلى سجلات الموتى، ومن ثم فلا تسألوا عن المتسبّب في عدم توفر جهاز ناظور في مستشفيات بلاد تصدر يوميا أكثر من أربعة ملايين برميل نفط، مثلما لا يحق لكم أن تسألوا أين وصل التحقيق في موت مواطن تحت التعذيب ، مثلما ليس من حقكم أن تسألوا هل تمت محاسبة الوزيرة السابقة عديلة حمود؟ والتي حولت وزارة الصحة آنذاك إلى شركة مساهمة يديرها زوجها وابن عمها وأشقاء زوجها وأزواج بناتها، هذه هي الحقيقة باختصار شديد وإن حاولوا الضحك على عقولنا، بأنّ ما جرى مجرّد إهمال من طبيب أو تصرف فردي من رجل شرطة .
كنت أتوهم أنّ موت أطفال بسبب الفساد والإهمال، كفيل بتحريك قليل من مشاعر الألم والندم لدى مسؤولينا الأشاوس، غير أنّ كل ما اهتموا به هو بيانات تدافع عن المجاهد ريان الكلداني!،وهتافات بحياة الزعيم أبو مازن، وصرخات بأن وعد القدو أقرب إلينا من حبل الوريد، تخيلوا رجلا يحمل جنسية ألمانية يتحكم في مصائر أناس أبرياء ويسرق الدولة في وضح النهار، لكن الدولة نفسها مصرة على أن وعد القدو زينة رجالها!!، مثلما تصر على أن لا حكومة ولا برلمان من دون أن يكون هناك كرسي بمساند تجلس عليه حنان الفتلاوي.
أعلم أنه من قبيل التكرار الممل أن نذكر وزراء في دول محترمة يقدمون على الانتحار إذا وقعت في دائرة اختصاصهم حوادث بسيطة، أو أن مسؤولين كبارا يرحلون في كوارث أصغر حجماً من ذلك، وأعرف أننا لسنا رومانيا، التي قرر وزير الداخلية فيها إقالة رئيس جهاز الشرطة في أعقاب جريمة مقتل مراهقة، لأنه لم يتخذ أي إجراء لإنقاذها من أيدي الخاطفين.
يفوز النموذج الروماني بقيمه الإنسانية والاجتماعية والوطنية الحقيقية، فيما نخسر بنماذج تريد لنا أن نعيش مع الخراب، نهوض رومانيا من ركام نظام شاوشيسكو القمعي لم يكن عجيبا، لأن هناك ساسة يرفضون الضحك على الشعب، وشعور الشعب الروماني بأنه يرفض الذل واستعلاء المسؤول والخطوط الحمر والمجاهدين المقدسين، وما هي إلا سنوات وأصبحت رومانيا في مقدمة بلدان أوروبا التي تسعى نحو الازدهار.