علي حسين
إذا كنت متابعا جيدا لما ينشر في الصحف ويعرض في الفضائيات، فإن هناك اجتماعات وبيانات رسمية سواء من الرئاسات الثلاث أو مجلس النواب،
تؤكد أن "الدنيا ربيع والجو بديع"، ولهذا أعلن الجميع أنهم مع حق التظاهر والاحتجاج، وتغنوا بحرية الإعلام، ورفعوا سيف القصاص أمام الجهات التي قتلت المتظاهرين واعتدت على القنوات الفضائية وطاردت الصحفيين، ولم تنس البيانات "الوردية" أن تطمئننا على حق المواطن في الحصول على المعلومات، ولهذا لا بد من حظر الفيسبوك الملعون لأنه يثير البلبلة والشغب، ومنع شبكات الاتصال من تقديم خدمات الانترنيت، وبهذه الطريقة يتمتع المواطن بحرية لن يجدها حتى في اليابان.
من حيث المبدأ، أنا أول من يصفق لقرارات الرئاسات ومعها الحكومة. لكن لأنني مشاغب وأعاني من مرض "سوء الظن" كنت أتمنى أن تكون أولويات الحكومة أن تطمئن الناس وخصوصا شباب التظاهرات على أن قوائم " الامن الوطني" التي بموجبها تتم مطاردة واعتقال شباب التظاهرات مرفوضة، وأن يكون في أولويات الحكومة ان تمنع اعتقال الشباب.
كنا عشنا مع مشاهد مؤثرة أداها جميع مسؤولينا، وكيف ذرفوا الدموع على قمع تطاهرات البحرين.. فياسادة ياكرام كيف تكونون مع حق البحرينيين في الغضب والاحتجاج، ثم تتخذون موقفًا متشددًا وتعسفيًا ضد حق العراقيين في المطالبة بالتغيير والإصلاح السياسي، والتحرّر من الفساد، ولا تهزكم دماء ما يزيد عن 110 شابا حصدت أرواحهم آلة القمع في شوارع وساحات العراق؟ .
لماذا تكون التظاهرات في البحرين والسعودية وكشمير سعياً إلى الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية ، بينما التظاهرات العراقية تخريبًا وعنفًا وهدمًا للدولة العراقية ؟ كيف تكون مع التظاهرات في مكان من العالم، وضدها في مكان آخر؟ .
ولو أمعنا النظر فيما يطلقه البعض من السياسيين والمقربين والمسؤولين من دخان أسود ضد المتظاهرين سندرك أن العراق فعلا فى خطر، كونه واقع بين خطرين يتربصان به، الأول: تصاعد هجمات الحكومة ضد الناشطين السياسيين والداعين إلى الإصلاح، مقترنا بتكثيف القصف من قبل الخلايا الحكومية، التى شمرت عن سواعدها لتشويه صورة المتظاهرين واعتبار ساحات الوطن مصدرًا للشرور والأخطار على العملية السياسية. أما الخطر الثاني فهو تلك الحالة من الصمت المريب والاكتفاء بالفرجة من جانب أولئك الذين استمدوا شرعية حكمهم للبلاد من تضحيات العراقيين وهم يرون الوحوش تنهش في لحم الشباب والإعلاميين وفي سمعتهم ووطنيتهم ونقائهم، حتى بلغ الأمر ببعضهم حد التشكيك فى وطنية المتظاهرين.
تلك هي أبرز ما فرضته الاحتجاجات الاخيرة من أسئلةٍ كاشفةٍ للمواقف الحقيقية والانحيازات الصريحة، مع الشعوب وضدها، ومع المبادئ وعكسها، وهو الامتحان الذي أظهر مساحةً هائلة من التناقضات وازدواجية المعايير، والتواطؤ، الصامت أحيانًا.