TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: شهداء في دولة العيداني

العمود الثامن: شهداء في دولة العيداني

نشر في: 23 أغسطس, 2020: 09:32 م

 علي حسين

لن يكتب الشعراء من بعده مثل "غريب على الخليج".. ولن يعاتب عاشق وطَنَه بمثل ما عاتب السياب:

البحر أوسع ما يكون وأنت أبعد ما تكون..

والبحر دونك يا عراق

لم يكن بدر يُدرك أن القرّاء سيحزنون لقصائده التي أرادها في بداية حياته مثل نبوءة مفزعة تؤذن بعصور الموت المجاني، ومثلما نتأمل في أحزانه وذكرياته، نتذكر ذلك الفتى النحيل الذي حطّ الرحال في بغداد قادما من البصرة، يحمل معه أمنيات وأحلام أراد أن يصوغ منهما صورة لوطن جديد، بوسع الآمال اسمه العراق، وحُلم أن لا تعيش مدينته البصرة غريبة على الخليج.. وأن لا يصرخ.. عِراقُ، عراقُ.. ولا يردُّ سوى الصدى.

بدر كان مغرمًا بما يكتب، يعتقد أن الفكر والشعر سيصنعان بلدًا يكون ملكًا للجميع، ومجتمعًا آمنًا لا تقيّد حركته خطب وشعارات ثورية، ولا يحرس استقراره ساسة يتربصون به كلّ ليلة... نظام سياسي واجتماعي ينحاز للمواطن لا للطائفة، وللبلاد لا للحزب والعشيرة. عاش السياب أسير أحلامه، متنقلًا في الشعر والحب والمرض، لينتهي وحيدًا يئن على بلاد تُنكر أبناءها لأنهم لا يمارسون الخديعة، ولا يحملون صور قادتها الجدد، ولا يهتفون لهم في الساحات.

مات السياب قبل ستة وخمسين عامًا وفي عينيه عتاب، فالبصرة استبدلت ثوب الحياة الفرح، بعصابات كاتم الصوت، وقد استولى عليها البعض ممن يفرضون كثيرًا من الخوف على الحياة، معززين ثقافة الظلام، يبددون الأمل ويحاصرون المستقبل، ويتبارون في كيفية قتل شباب الاحتجاجات، والإصرار على وأد البصرة في مقبرة الظلام.

بعد أكثر من نصف قرن على رحيل شاعرها، نجد البصرة اليوم رهينة لمزاج أسعد العيداني، الذي لا يجد من وسيلة تفاهم مع المتظاهرين سوى أن يطلق الرصاص عليهم، لأنهم هتفوا مطالبين بمسؤول يحترم إرادة الناس ويوفر لهم حياة كريمة. 

عندما نشاهد نوابًا، يمثلون البصرة، وهم يحلفون بأغلظ الأيمان أنّ تظاهرات البصرة تقف وراءها القنصلية الأميركية، فإنك تجد نفسك في مواجهة سياسي لا يؤمن بأنّ لهذا الشعب قدرة على الاحتجاج، وغير معني بهموم الناس، ويصر على أنّ البصرة كان يمكن لها أن تنافس دبي، لولا المؤامرة الأميركية. .هؤلاء التواب وهم يسخرون من ابناء المحافظة ويحرضون على قتلهم ، هل شاهدوا صورة اطفال تحسين الشحماني ، هل تمعنوا جيدا في فديو اغتيال ريهام يعقوب في وضح النهار؟ .

رحل السياب، غريبًا، مريضًا، لكنه يرفض أن ينسى ما مر بالعراق: 

ومنذ أنْ كنَّا صغارًا، كانت السماء

تغيمُ في الشتاء

ويهطل المطر

وكلَّ عام ـ حين يعشب الثرى ـ نجوعْ

ما مرَّ عامٌ والعراق ليس فيه جوعْ

والآن سنردد مع السياب وهو ينظر الى ابنء مدينته ينحرون 

ما مر عام والبصرة ليس فيها دماء 

دماء 

دماء 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. رائع

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

سيكولوجية تجنيد العقول في الجماعات الارهابية الدينية

قناطر: العالم يتوحش .. المخالبُ في لحمنا

العمود الثامن: قوات سحل الشعب

"الحشد الشعبي"... شرعنة التشكيل بوظائف جديدة

كلاكيت: "ندم" وعودة الفيلم الجماهيري

العمود الثامن: قائمة المنتفعين

 علي حسين في بلاد الرافدين حزب من المنتفعين يضم عدداً من السياسيين والمسؤولين الكبار ممن إذا أصابت الناس مصيبة لاذوا بالصمت الذي هو في عرفهم أبغض الحلال. ومن المفارقات العجيبة في العراق -بلد...
علي حسين

باليت المدى: كرسي مكسور الساق

 ستار كاووش عندَ لقائي ببعض الناس أفاجئ ببعض التفاصيل الصغيرة التي تُشير الى نوع من الكسل واللامبالاة وعدم إيجاد الحلول حتى وأن كانت صغيرة. فرغم إنغماس أحدهم بتعديلِ صُوَرِهِ ببرامج الفوتو شوب كي...
ستار كاووش

(50 ) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياة بين فذيفتين

زهير الجزائري (1) يوم ١٣ نيسان ١٩٧٥ بدأت الحرب من مجزرةً (عين الرمانة). كنّا في طريقنا إلى الجنوب اللبناني حين انقطع بثّ الراديو بين إعلان عن مسحوق الغسيل المفضل لدى النساء العصريات و سيكارة...
زهير الجزائري

التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين: تحديات القرن الواحد والعشرين

محمد علي الحيدري التنافس بين الولايات المتحدة والصين أصبح في السنوات الأخيرة أحد أبرز القضايا التي تحدد ملامح السياسة العالمية، حيث يشتد في المجالات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية بشكل يثير الكثير من التساؤلات حول مستقبل...
محمد علي الحيدري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram