عمار ساطع
أمرٌ جميلٌ للغاية أن تعترف الهيئة التطبيعية التي تقود كرة القدم العراقية خلال الفترة الراهنة، أنها نجحت في الإبقاء على السلوفيني (الغائب) سريتشكو كاتانيتش في موقعه مدرباً للمنتخب الوطني لكرة القدم، بحثاً منها على الاستقرار (المفقود) في الأصل،
بل إن التطبيعية تبجحت بطريقة (غير احترافية) تماماً، حينما ذيلت ما نشرته من بيان موزع لوسائل الإعلام ما نصه إن "إياد بنيان ـ رئيس الهيئة التطبيعية ـ قدم شكره وتقديره إلى المدرب كاتانيتش، ووكيل أعماله، على تعاونهم الكبير، والمرونة في تجديد المفاوضات التي كانت طويلة وماراثونية انتهت بتجديد العقد"!
في الحقيقة.. لستُ هنا أبداً في قضية تجديد العقد أو الابقاء على كاتانيتش، بقدر ما أنني مُحبط من ذلك الرضوخ الذي أصاب جسد الكرة العراقية وتحديداً قلبها النابض، إذ أن الذي حدث كان أشبه بـ (مسرحية) أبطالها أناس سُذج، ضحكوا على الآخرين حينما حركوا الشارع الرياضي بشكل أو بآخر فترة وجيزة من انتهاء الفترة الثانية من العقد من خلال منشورات البعض من الذيول، وقد نشروا أن وكيل أعمال كاتانيتش لوحَ أن الأخير تلقى عرضاً من اتحاد الكرة الإيراني لقيادة منتخبها في حال عدم تجديد عقده، أي أنه سوقه بطريقة ما للظفر بتجديد تعاقده والضغط على القائمين على التطبيعية بالاسراع للفوز بتوقيع التجديد!
أيها الأخوة.. اعترف أن التطبيعية لا تملك ذلك العمق والدراية بمعرفة أمور تتعلق بالتعاقدات أو الأساليب الناجعة في الدخول بمفاوضات، والدليل أن وجود شخصية مُلمة ومهمة ومؤثرة تملك من الخبرة والباع الطويل الكثير مثل الدكتور شامل كامل، نائب رئيس الهيئة التطبيعية حالياً ومستشار اتحاد الكرة السابق، اذ انقلب فجأة على آرائه وما يحمله من فكرٍ تجاه كاتانيتش حينما وافق أن يكون جزءاً من فريق التفاوض مع بهروز وكيل كاتانيتش في أربيل، وهو ذاته الذي رفع تقريراً الى اتحاد الكرة السابق المستقيل يطالب فيه ضرورة إنهاء عقد كاتانيتش ـ ولمرتين ـ وكان ذلك الأمر قبل الدخول بكأس أمم آسيا في الإمارات مطلع 2019 وبعد أمم آسيا والخروج على يد قطر بدور الثمانية، جراء عدم قناعته بقيادة كاتانيتش للمنتخب أولاً ولضعف أسلوبه ثانياً وافتقار المدرب وكادره السلوفيني المساعد للرؤى الصحيحة والبرامج الغائبة والأجندة التي لم يقدمها للاتحاد، ودليلي فيما أقول موجود، ويمكن لمن يريد معرفة ذلك أن يجد تقرير الدكتور شامل كامل مثبت في سجلات اجتماع اتحاد الكرة ولجنة المنتخبات!
وهنا اتساءل.. ما الذي دعا الدكتور شامل كامل وهو مختص بعلم الإحصاء الرياضي أن ينقلب فجأة ويصبح الطرف الأهم في عملية التجديد؟ بل إنه أضحى الجهة الداعمة للتجديد وظهر في صورة نجاح المفاوضات مع بهروز في أربيل الى جانب رئيس الهيئة التطبيعية أياد بنيان وعضوها أحمد علي كوجر، ما الذي دعا ه الى نسيان كل ذلك؟ هل أثر انتشار فايروس كورونا على ما قاله قبل الجائحة وتبدلت الأمور رأساً على عقب؟ أم أن كاتانيتش كان حاضراً منذ تفشي الفايروس في العراق ولم يكن موجوداً في بلاده منذ سبعة أشهر؟ أوجه استغرابي هذا وأنا الذي كنتُ أعرف أن عملية التجديد حاضرة وقائمة لا محال، لأن من يدعي الاستقرار يذكر ويدعم العامل الأهم وهو نجاحات المنتخب الذي لم يلعب منذ قرابة تسعة أشهر، ولم يتواجد كاتانيتش منذ ذلك الوقت لمتابعة أي مباراة أو أي لاعب، فكيف يمكننا أن نصل الى نتيجة تؤيد صحة كلام أولئك الذين يدعون الاستقرار إذا كانت هناك فرقاً عالمية كبيرة انهارت واضحت انجازاتها من اطلال الماضي، بل ان هناك فرقاً عالمية تفوقنا في كل شيء باتت أمام حقيقة التباين في الأداء إن لم نقل التراجع في المستوى والنتائج!
وفي تصورنا أن التطبيعية اليوم وافقت على إبقاء كاتانيتش بتخفيض جزء من رواتبه السابقة والتقليل من قيمة عقده بسبب الأحوال التي ضربت دوائر الرياضة عموماً وكرة القدم تحديداً، إلا أنها نسيت أو تناست أنه يعيش في سلوفينيا ويسرح ويمرح هناك وهو غير موجود أصلاً في العراق منذ شباط الماضي، ولم يحضر مع جهازه الفني المساعد الى عمله علماً أنه موظف تابع للاتحاد مع كادره، كونه يتقاضى أموالاً من العراق جراء عقده.. البالغ 65 ألف دولار شهرياً وما مجموعه مليون و200 الف دولار سنوياً مع كادره التدريبي.. وهنا أضع التساؤل الأهم : لماذا نتعامل مع مدرب يمضي حياته خارج الوطن ونجدد التعاقد معه بعاطفية تامة بعيداً عن المنطق السائد والذي يفترض أن يكون حاضراً ؟، هل كُنا نجدد عقود مدربينا الوطنيين أبناء البلد في حالة عدم بقائه في العراق؟ أم أن كاتانيتش جاء من كوكب آخر؟ لماذا نتعامل مع المدرب الأجنبي بشكل آخر يختلف تماما عن تعاملنا مع مدربينا من أصحاب الانجازات؟ واذا ما ذهبنا الى أبعد من ذلك، لماذا نفضل الآخرين على أهلنا من المخلصين؟ هل كانت الكاريزما التي يمتلكها كاتانيتش مثلا أكثر وفاءً وإخلاصاً من مدربينا الاخرين؟
تخيلوا أن كاتانيتش يُشكر ويُقدر على موقفه بتجديد التعاقد معه وهو خارج البلاد، ومدربينا الذين عملوا واجتهدوا وقدموا كل شيء ترفع عليهم القضايا في المحاكم بهدف التقليل من شأنهم وإحباطهم ؟ وتصوروا أن قادة كرة القدم يكبرون من شأن كاتانيتش معتبرين الأمر مفاوضات ماراثونية، فيما الحقيقة هي التفاوض بهدف عدم التقليل من الرواتب وقيمة العقد؟!
لستُ بصدد إعادة ملاحظاتي الكثيرة على آراء المدربين من المؤيدين والمناهضين أو من الداعمين والمساندين للبقاء على كاتانيتش أو من أولئك الذين يحاولون التقليل من شأنه كمدرب ويعملون على استنتاجات لمعطيات سابقة او حالية، لكن الواقع هو أن الرأي الذي ذكرته لن يتغير، فأنا لستُ مؤمناً تماماً به لأنه باختصار صفقة خاسرة، حتى وإن قادنا الى التأهل الى المرحلة الثانية من التصفيات الآسيوية المؤهلة الى كأس العالم 2022، بيد ان الظروف خدمته وأعني تحديداً إن ما توفر له لم يوفر لمدرب آخر من المدربين الـ 17 الذين قادوا كرتنا خلال 13 عاماً، بل إن كاتانيتش كان المدلل من بين المدربين الآخرين، وربما المدرب الاكثر اهتماماً كونه يملك ترسانة الكترونية متشعبة تدافع عنه وتضعه في صورة البطل وهو الذي لم يتمكن من تحقيق لقب غرب آسيا وكأس الخليج الضعيفتين نسبياً!