TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: هنا يحتفل الكتاب

العمود الثامن: هنا يحتفل الكتاب

نشر في: 21 ديسمبر, 2020: 09:25 م

 علي حسين

كنت أنوي الكتابة عن المسكين "الدينار العراقي" الذي لا يريد له أصحاب هذه البلاد الخير، فكيف يمكن لدينار هذه البلاد أن يصبح قوياً والتومان الإيراني مريض والليرة التركية تعاني ، لكنني وجدت أن صاحب العمود الثامن ربما تناسى أو تغافل حدثاً ثقافياً مهماً وأعني به "معرض العراق الدولي للكتاب"

فأنا أنتمي إلى قوم لا يمكنهم تخيل عالم لم تظهر فيه الكتب، التي سطرها مجموعة من الأحرار علموا البشرية قيمة وأهمية الحياة، لكني بالأمس وأنا أتصفح مواقع الصحف ووكالات الأنباء شعرت بأنّ كاتباً مثل حالي لا يمكن له أن يترك حفلات صواريخ الكاتيوشا التي تقع على رؤوس العراقيين، ويذهب ليحدّث القرّاء عن أفلاطون الذي ظل يصر على أن تعاسة البلدان لا يمكن أن تزول ما لم يتمتع حكامها بفضيلة التعلم. "إن طلب العلم شرط لمن يتقلد زمام الحكم، والسبب هو ما يتميز به الحاكم المتعلم من حكمة وصدق". 

أنظر إلى الكتب التي غصت بها قاعات معرض العراق الدولي للكتاب، وأسرح مع البصرة التي تنتظر عرسها الثقافي مع الكتاب، المدينة الجميلة أيام كان فيها الأصمعي يعلّم الجاحظ معنى الشغف بالكتاب: "الكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، والجار الذي لا يستبطئك، والصاحب الذي لا يتملقك، ولا يخدعك بالنفاق"، تلك كانت بصرة الكندي والمندائي وإخوان الصفا، فيما اليوم تغزوها أسراب جراد الجاهلين الذين يرون فيها خزينة ينهبونها في وضح النهار .

دائماً كنت أسأل نفسي: ترى كيف سيكون شكل العالم لو لم يكتب فيه ديكنز روايته "الآمال العظيمة"، ولم يحول فيه المتنبي الشعر إلى نصوص في الحكم، ولم يعلمنا عمر بن أبي ربيعة أن مديح النساء أبقى أثراً من مديح كل الحكام؟، هل يمكن أن نتخيل بريطانيا من دون سؤال هاملت الأزلي: أكون أو لا أكون، ماذا يبقى من انقلابات أمريكا اللاتينية غير ذكرى حكايات يوسا، وساماراغو، وإيزابيل أللندي ومعلمها ماركيز؟، ماذا يبقى من أميركا لو لم يكتب لها همنغواي "الشيخ والبحر"؟ .

أعطتنا الكتب المنفعة والمتعة في هذه الحياة. وحولت لنا الأرض إلى قرية واحدة قبل أن يكتشف الأمر منظرو العولمة، كتب زودنا أصحابها بالحكمة ومؤرخون حفظوا لنا حكايات التاريخ وعبره، وشعراء صنعوا لنا أحلاماً وآمالاً وعوالم جميلة، كتب ندين لها بجمال الحياة، لولاها لكنا نرى بغداد مجرد دار للسكنى وليست قصيدة رائعة للمتنبي، ونرى العيون الجميلة ولا ندرك أنها تقتلننا لأن في طرفها حورا.

لا تودع مؤسسة المدى أعوامها، من دون حدث ثقافي كبير، يتكاتف الجميع على نجاحه واستمراره ، فيما تطل لمسة عاشق الكتاب فخري كريم من كل زوايا المعرض، مثل المايسترو الذي تأبى جميع النغمات إلا أن تخرج من بين أصابعه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

 علي حسين اظل أكرر واعيد إن أفدح الخسائر التي تعرض لها العراق ان الكثير من مسؤوليه وساسته غابت عنهم الروح الوطنية ، واصبحت كلمة النزاهة مجرد مفردة تلوكها الالسن ويسخر منها اصحاب الشأن...
علي حسين

كلاكيت: السينما عندما توثق تفاصيل المدينة

 علاء المفرجي بغداد والسينما.. المدينة والسينما.. كيف لنا ان نختار شكل العلاقة او ما الذي يمكن ان نكتشف من هذه العلاقة؟ وهل يمكن لبغداد كمدينة ان تنفرد مع السينما فتختلف عن علاقة المدن...
علاء المفرجي

الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!

رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
رشيد الخيون

قَدْحُ زناد العقل

ابراهيم البليهي حَدَثٌ واحد في حياة الفرد قد يُغَيِّر اتجاهه إذا كان يملك القابلية فيخرج من التحديد إلى التجديد ومن الاتباع إلى الإبداع وعلى سبيل المثال فإن هوارد قاردنر في السبعينات درَس علم النفس...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram