علي حسين
إذا كنت تعمل مثل جنابي في مجال الإعلام لن تفتقر إلى الأحداث " الساخنة " في هذه البلاد . كل يوم هناك من يخرج علينا ليتهم شباب التظاهرات بأنهم "جوكرية" وعملاء للأجنبي، وإذا كنت تبحث عن القصص المثيرة والغريبة، ففي هذه البلاد الكثير،
فهناك أحزاب ظلت تشتم المحتجين وتطالب بالقصاص منهم، تحولت اليوم إلى راعي للمدنية وتطالب بإقمة دولة الرفاهية، ورغم كل هذه الكوميديا فأن المواطن العراقي يفتقد لـ"حكم" و"مآثر" إبراهيم الجعفري الذي اختفى في نعيم لندن، بعد أن أعطى لهذا الشعب خطباً عن المارد وقمقمه، لكنه في النهاية "قبض" المقسوم وذهب إلى بلاده بريطانيا ، فالعراق كان مجرد كعكة يتم تقاسمها مع الأحباب الأصحاب.
أُدرك وأعي أنّ إبراهيم الجعفري سوف لن يقرأ ما أكتبه، وأنّ الأحزاب المدنية صناعة 2021 ستضعني في خانة "المتآمرين"، ولكن اسمحوا لي أن أواصل حكايتي، قبل يومين أعلن رئيس الوزراء الهولندي، عن استقالة حكومته، وأتمنى أن لا يتوهم البعض ويعتقد أن الرجل "خمط" مليارات من موازنة الدولة، أو أنه كان سبباً في أن يعيش العراق في ظلام متواصل .. المشكلة أن الحكومة الهولندية اتهمت عدداً من العائلات بالاحتيال، وانها حصلت على مساعدات اجتماعية ، لكن اتضح فيما بعد خطأ هذه الاتهامات ، وكانت هذه العوائل من اللاجئين.. هولندا التي لا تحمل سجلاً تاريخياً يضم حكايات علي بابا والأربعين حرامي ، ولم تصنع سفناً فضائية قبل خمسة آلاف عام مثلما اخبرنا العلامة كاظم الحمامي ، لكنها اليوم واحدة من أثرى البلدان، أتذكر أننا في بغداد لم نعرف هولندا إلا من ثلاثة أشياء: الرسام فان كوخ.. صاحب أشهر أُذن في التاريخ والتي دائماً ما تثار حادثة قطعها، هل قدّمها الرسام هدية إلى محبوبته، أم أنها فقدت في معركة ليلية مع الرسام غوغان؟ .. والشخصية الهولندية الثانية لاعب كرة القدم يوهان كرويف.. وثالث مشاهير هذه البلاد السيد جيرارد فيليبس مؤسس الشركة الشهيرة للصناعات الكهربائية، والذي سيطرت عليه عام 1891 فكرة واحدة فقط هي كيف يحقق حلم أديسون في تصنيع مصباح كهربائي، وهو الاختراع الذي أشاع البهجة والمعرفة والسرور في كل بيوت الكرة الأرضية بمختلف ديانات سكانها وألوانهم وقومياتهم باستثناء بيوت العراقيين ، ولم يكتف السيد جيرار بذلك بل سحرنا بصندوق خشبي سمّي راديو "رمز الحرية الفكرية وركن الديمقراطية وفاضح كل أسرار الدنيا"، مثلما تغنّى به عزيز علي ذات يوم .
اليوم نسمع في نشرات الأخبار، لا في راديو فيلبيس، أن هولندا لم تعد تصدر الضوء والفن فقط ، وإنما أيضا نموذجا للمسؤول الذي لا ينشغل بخطب والشعارات الفارغة، وإنما يسعى لاحترام المواطن أيا كانت هويته وطائفته.