علي حسين
قبل ما يقارب الأربع سنوات نشرت معظم صحف "الدولة الكافرة" كوريا الجنوبية، صورة للرئيسة "بارك غوين " ، وهي دامعة العينين تقدّم اعتذارها للشعب، وتقول بصوت مرتعش: "قلبي ينفطر، من الصعب أن أسامح نفسي، أنا أنام الليل ويغمرني شعور بالأسف"، وقبل أكثر من أسبوع صدر حكم القضاء الكوري بسجن رئيسة البلاد السابقة 20 عاماً، ومصادرة أموالها وتغريمها 16 مليون دولار عداً ونقداً بسبب قضية فساد انتهت بإزاحتها من موقعها الرئاسي.
أتمنى عليك عزيزي القارئ أن لا تذهب بك الظنون بعيداً وتعتقد أنّ هذه المرأة التي كانت تقود واحداً من أكبر اقتصادات العالم، "لفلفت" موازنة الدولة وجعلت كوريا الجنوبية تعلن إفلاسها، أو أنها سلّمت ثلث كوريا إلى غريمتها كوريا الشمالية، ولا تفرح فتعتقد أنها وظّفت أبناءها وأشقّاءها وجعلت مسسات الدولة مقراًعائلياً خمس نجوم، جريمة "غوين " أنها سمحت لصديقتها المقرّبة أن تطلّع على خطاباتها وتتدخّل في صياغتها، وأنها لها دور في اختيار مساعدين للرئيسة، والجريمة الأخرى هي اتهام الرئيسة بأنها أقامت طقوساً دينية في القصر، لأن الصديقة هي ابنة زعيم ديني في كوريا الجنوبية، فقد اعتبر البرلمان، أنّ إقامة طقوس في قصر الرئاسة مساسٌ بالديمقراطية الكوريّة التي أصرّ فيها الدستور الكوري، على أن يضع الوطن فوق كلّ الطوائف ومذاهبها ومعتقداتها .آنذاك خرج الشعب الكوري في تظاهرات كبيرة يندد بإساءة استخدام سلطة رئيس الدولة الموكلة للرئيسة من الشعب. كما اتهمتها صحف المعارضة بأنها كانت تنوي الحصول على هدايا من رئيس مجموعة سامسونغ، ولم تكتف المحكمة بذلك بل إنها أودعت رئيس مجموعة سامسونغ السجن وحكمت عليه بخمسة أعوام ، ولم يشفع له أنه يُدخل إلى كوريا سنوياً ما يقارب الـ200 مليار دولار.
مع الأحكام التي أصدرها القضاء الكوري، تذكّر عزيزي القارئ البراءة المباركة التي صدرت بحق "المؤمن" فلاح السوداني الذي لفلف أموال الحصة التموينية، وتذكر أيضا حالة الخجل التي أصابت القوى السياسية وهي ترى الوزير ملاس عبد الكريم ينهب وزارة التجارة دون أن يقترب منه أحد لأنه ينتمي إلى عائلة دينية، وتذكر أكثر ما فعله الدباس وصلاح عبد الرزاق وأيهم السامرائي، ولكن قبل ذلك تذكر الحكم التاريخي على النائب السابق جواد الشهيلي والذي غرمه القضاء مبلغ "250" ديناراً عداً ونقداً، رغم أنه استغل منصبه وأخرج بقوة السلاح أحد المتهمين بملفات الفساد.. ولا أريد منك أن تتذكر الحيتان الكبيرة التي لهفت عشرات المليارات، فهي فوق القانون والمحاسبة.
كأنما الدرس الذي تعطيه بعض الشعوب موجّه على نحو خاص، إلى بلد نواب وساسة صدّعوا رؤوسنا بالنزاهة ، لكنهم صمتوا على الأموال التي ذهبت مطمئنة إلى " قاصات " الفاسدين!