TOP

جريدة المدى > عام > تلويحة لأُفول الجمال.. في لوحات الفنان شوان

تلويحة لأُفول الجمال.. في لوحات الفنان شوان

نشر في: 14 مارس, 2021: 09:45 م

حيدر عودة

لم تكن رحلة الفنان «شوان زيوار» يسيرة حينما كان موقوفاً في سجن البصرة وقد وجهت له السلطات الأمنية اتهامات بانتمائه للحزب الشيوعي العراقي والتعاون مع قوات البيشمركة، كونه من أصول كردية، وتعرضه لأصناف التعذيب والإهانة،

إلا بعد أن حصل على مقعد دراسي في يوغسلافيا بمساعدة صديق له، وبتوسط بعض معارفه خرج من السجن عام 1977 ليغادر العراق إلى يوغسلافيا من دون عودة. ومن هناك سافر إلى إيطاليا لإكمال دراسته في الرسم وتخرجه من أكاديمية الفنون الجميلة في روما عام 1982، ثم هاجر بعد عامين إلى كندا، حيث يقيم حالياً.

وفي إيطاليا التقى “شوان” بالكثير من فناني العالم ومن العراق كذلك، وقد كانت لسنوات دراسته الخمس حصيلة كبيرة من الرسم والمطالعة وزيارة المتاحف الفنية والقراءة والبحث المتواصل في أساليب الرسم ومدارسه المتنوعة، الأمر الذي جعل من خبرته تزداد ومهاراته تتطور ورؤاه تتنوع، متخذاً له لاحقاً الأسلوب التجريدي والتجريدي التعبيري، الذي كان شائعاً في تلك الفترة والذي سيبدو واضحاً في جميع أعماله التي أنجزها في كندا وما زال.

على ما يبدو فإن “أجمل طفل في العراق” ما زال يحمل ذكرى تلك المسابقة التي جرت وهو في عمر خمسة أعوام؛ أي في العام 1960، دون أن يعي معنى ذلك، بينما كان أهله فرحين ويفاخرون بطفلهم الجميل. لكن لا أحد في قضاء “الزبير” الذي ولد فيه، بعد أن تمّ نفي عائلته من “زاخو” إلى “البصرة” عام 1947، سيدرك لا حقاً - بعد ثلاث سنوات - أن تلك المسابقة ستكون بمثابة لمسة أخيرة ختمتها حقبة الجمهورية الأولى ليتحول العراق إلى حمامات دم ابتكرها البعثيون بجدارة.

كان درسُ الرسم بالنسبة “للطفل الجميل” مصدر خوف وعقوبة وشيكة، إذ أنه عوقب ووبخ بسبب رداءة خطوطه في المدرسة الابتدائية والمتوسطة. ولكي يسلم من شبح العقوبة أخذ بممارسة الرسم بشكل كثيف، وواضب على الذهاب إلى المكتبة العامة بصحبة عمّه، إذ أخذ يرسم كل ما تقع عليه عينه من رسومات وتخطيطات وكاريكاتير في المجلات والصحف، والاطلاع على الكتب الفنية المتوفرة آنئذ، حتى أنه في سن العاشرة رأى في نفسه رساما. وفي فضاء ثقافي عرفت به مدينة البصرة خلال سبعينيات القرن الماضي صار “شوان” فنانا يحظى بالإعجاب إلى جانب فناني المدينة، الذين يذكر منهم “سعد الخليوي الزبيري” و”راجي ابراهيم القادم من مدينة الناصرية”، كذلك شعراء وكتاب، منهم الشاعر “عقيل سيد زيارة” و”فالح المنصوري” و”عبد الحسن الشذر” وآخرين.

يغلب على لوحات “شوان” طابع الحياة الأوروبية من خلال أسلوبه التعبيري في لوحاته الصغيرة، والتجريدية في لوحاته كبيرة الحجم، التي كان يعرضها في بعض صالات العرض الكندية والأميركية، فهناك، مثلا، مجموعة وجوه لنساء بشكل طولي أو على شكل مثلث، وبقبعات بارزة أو أغطية رأس تتداخل مع الوجه، تبدو فيها الألوان الحارة والباردة بمثابة انعكاسا لحالتهن النفسية، أو دلالة على زخم مشاعر النساء الجوانية ، كذلك الحال في لوحاته التجريدية ، حيث يتضح تماثل لشكلين متقابلين، ربما يعكسا توق روحين أو جسدين للقاء، وسط تباعد عميق في علاقات المجتمعات الرأسمالية، إذ تبدو أولئك النسوة يتألمن أو يعانين من هواجس وآلام جمّة، رغم محاولات لمسات المكياج، التي تفشل في إخفاء وحش الزمن على جمالهن الآفل. وقد يلجأ أحياناً إلى اختزالات لونية أو متجاورات لأشخاص أو أشكال غير محددة للغرض ذاته؛ ففي التجريد تكون الثنائيات اللونية والشكلية إغراءً للفنان كي يبرز مهاراته وتحدياً لذيذاً لانجاز أعمال مخنزلة ودالة في آن واحد.

شوان، الطفل الجميل، الذي يعبر السادسة والستين وما زال يقاوم شبح الوحدة والمرض وهو يراقب أفول الجمال والذكريات في مدنه البعيدة، ملوحاً لأصدقائه في لعبة المصائر المجهولة. فحين يغمض عينيه متوارياً عن العالم تضاء أنوار مكتبة الزبير العامة ليصحبه عمّه في الساعة السادسة مساء، لحضور أمسية للشاعرين “بدر شاكر السياب ومحمود البريكان”، كان في الثامنة من عمره حين اكتشف عالماً جديداً قاده لاحقاً إلى القراءة والثقافة والسياسة، والمسرح والسينما، والحانات، والكتب، وأصدقاء جدد... لم يتنازل “شوان” عن الرسم، فتراه يُقبل عليه كلما وجد سبيلاً لذلك، متحدياً آلام المرض والعزلة في شتاء كندا الأبدي.

شوان زيوار: فنان عراقي مغترب في كندا، ولد في البصرة عام 1955، تخرج من أكاديمية الفنون الجميلة في روما/ إيطاليا عام 1982، ثم هاجر إلى كندا في العام 1984. قدم مجموعة معارض ومشاركات في مدينة البصرة وإيطاليا وكندا وأمريكا.

*تصوير الفنان قحطان الأمين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram