TOP

جريدة المدى > عام > وكر السلمان رواية شلال عنوز..القانون في مواجهة الجريمة

وكر السلمان رواية شلال عنوز..القانون في مواجهة الجريمة

نشر في: 2 إبريل, 2021: 08:18 م

كتابة / أحمد فاضل

مع اقتراب عام 2020 كانت المكتبة العراقية على موعد مع صدور رواية بوليسية عراقية بامتياز ، افتقـد القارئ موضوعها طيلة عقـود إن لم تخنا الذاكـرة ،

وحان الوقت للعـودة لعالم الجريمة والغموض والخيال ، وهذا يشكل في حد ذاته تمريناً حقيقياً لمعرفة الضرر الذي تلحقه الجريمة .

 

ورواية “ وكر السلمان “ التي كتبـها شلال عنوز ، هو في الأصل محامي سبق وأن درس الحيثيات التي تقـوم عليها الجريمة ودوافعها ، وعندما نحدد خياراتنا وهي جديرة بالملاحظة في الارتفاع الملحوظ في عالم الجريمة ، نتيجة الحروب التي شهدها العراق منذ عام 1980 ، وما بعـده من غزو تعرضت أراضيه من قبل أميركا و 20 دولة متحالفـة معها ، وما خلفـته من آثار نفسية واقتصادية واجتمـاعية على الأفـراد ، سوف نتوقف عند شخصيتها الرئيسة نعمان الذي كان أحـد ضحاياها ، هنا يجب الاعتراف بأن الأذى غالباً ما يتربص بالمجتمعات فيحرمها من أمنها ، ويجعل فيها أمراضاً كثيرة ليس آخرها العامل النفسي الذي تربص بهم ، وشغل العدد الكبير من رجال الشرطة والمحترفين بحل ألغاز مثل هذه الجرائم .

الرواية يمكن التعرف على شخوصها من خلال صوت مؤلفها الذي سيتردّد منـذ بدايتها حتى النهاية ، عاكفاً على ترتيب أمكنتها وزمانها وأحداثها المؤلمة التي وضعنا أمامها ، فكثير من الناس لديهم افتتان مظلم ومروع بالجريمة الحقيقية والأشخاص الذين يقفون وراء هذه الأعمال المروعة غالباً ما ينبع هذا الفضول من أسئلة يصعب الإجابة عليها : كيف يصبح الشخص مجرماً ؟ هل يولد المجرمون أم يُصنعّون ؟ وهل بإمكان أي شخص أن يصبح مجرما ؟ يستخدم المحللون الجنائيون علم النفس والطب الشرعي وعلم الأعصاب لمحاولة الإجابة على هذه الأسئلة ، فيستخدمون هذه المعرفة نفسها للقبض على المجرمين ، الأمل هو أنه من خلال الفهم ، يمكننا منع الجرائم وتحقيق العدالة الجنائية بشكل أكثر فعالية ، من خلال معـرفة المزيد عن حياة وجرائم المجرمين البارزين ، الذين قد نلاحظ بعض الأنماط والسمات المشتركة بينهم ، فمـن المـفيد أيضاً دراسة التصوير العصبي والعلوم السلوكية لمعـرفة المـزيد حول ما يحفز شخصاً ما على ارتكاب أكبر الجرائم .

فنعمان الذي عركته سني حرب ضروس استمرت ثمانية سنوات استمرأ القتـل نتيجة لرؤيته الدماء وهي تنزفها ضحاياها ، كما نزيفه الذي لن يتوقف إلا بشراهة رؤيته ضحاياه ، فكان أول مـن تمكنت سكينته الـتي حملها معه إلى ذلك الكهف أو الوكر السلماني ، كما أشار له المؤلف كونه يقع في مدينة السماوة مسقط رأس نعمان وحاضرته ، التي احتضنت ذلك السجن الرهيب ، صدر صديقه ناظم فشعر بالذنب بعد فوات الآوان :

“ كان يتمزق في أعماقه صارخاً : أيها الحقد الأسود البغيض ، لماذا غزوتني بكـل هذا الجبروت ؟ يا أيها الناس اقتلوني ، دكوا رأسي باحذيتـكم ، لا ترحموني أبداً ، فأنا لم أرحم من قتلتهم بيديَّ هاتين ، فهذه رائحة الدم تضج منهما ، أنا لا أستحق الحياة فأنا جندي تطوع في معونة ملك الموت وأدمنت على اقتناص الأرواح ، أنا صنيعة الشيطان ، لا أغفو إلا على حمرة الدم ، اذهبوا معي إلى هناك ، في نفق الموت سترون حقيقتي السوداء ووجهي المرعب الآخر “ .

لكن ذنبه سرعان ما تلاشى في أعماق روحه تاركاً له وساوسه الشيطانية تعيث فساداً في الأرض ، وعاد يطرق باب كهفه وهو ينحـر في ضحاياه ، سناء زميلته في الكلية وحبيبته ، فهل ستهـدأ روحـه الإجراميـة وتكتفي بالضحيتين ، أم هو في طريقـه لجرائم أخرى ، هذه الأفكار صاحبته وهو في طريقه للبيت في بغداد حـي العامـل الذي شهـد طفولته وصباه وشبابه ، “ وهو يستمع إلى البيـان الذي أذيع حول العمليات العسكرية في القواطـع الساخنة ، أثار فيـه موجات من الألم والشجون لأن الحرب هي التي كبلته بقيود الوجع فعطلت الحياة وشيطنت الفطرة ، حوّلت الإنسان من كائـن وديع إلى كائن مفترس ، جردته من ثوب إنسانيته “ ، وبحنكة وعمل المؤلف – محـامي درس القانون ، الجنائي منه خاصة – كشف لنا أن نعمان كـان يعاني من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع ، هذا جعـله فعلياً غير مبـالٍ بمعاناة الآخرين ، تجمّع لديه خـزين شخصي من السلوك المعـادي للجميع وحدد لنا ملامح

شخصية مرتبطة بفظائع الحرب ، إنه يثير تساؤلاً حول ما إذا كـان بإمكان المؤسسات العسكرية أن تهتم أكثر عند تجنيد الأشخاص ، حيث تشير أكثر الدراسات إلى وجود صلة بين سمات الشخصية المعادية للمجتمع وانتهاكات للأخلاق .

نعمان وهو يقود حبيبته “ سناء “ بعد إيهامها بمشاهدتها اللقى والتحف الآثارية الموجودة في كهفه السري ، نحو مصيرها المجهول فارتابت منه ، غير أنها طردت كل وساوسها وارتمت في احضانه ، التي أبعدها عنه صارخاً بها أن لا فائدة منه لأنه فاقداً لرجولته ، وكشف عن عورته ، “لم يكن هنالك عضو ذكري ، رأت مجرد فتحة في موضع مشوّه ، فأصيبت بالفزع واجتاحتها موجات من الهوس مصحوبة بنوبات بكاء عارم ، واقتربت منه كلبوة هائجة وضربته على صدره صارخة به وهي تقول :

“ لماذا أخفيت عني كل ذلك ؟ لماذا لم تخبرني أيها المنافق ؟ لماذا كذبت ؟ أحببتك بكل جوارحي ووهبتك كل حبي وكنت صادقة مخلصة معك ، فلماذا لم تقل لي ؟ “ فاشتد بها الغليان وتملكها الرعب فصرخت به بفزع وثارت هائجة متوثبة من شدة النار التي تضج فـي أعماقها ، ولم تتمالك نفسها فانفلتت يدها ووجهت له صفعة قوية على وجهه قائلة له : هذا هو الرد المناسب على حقارتك “ .

“ أمسكها من رقبتها بشدة وجذبها إليه ، ثم امتشق سكينه لينهي آخر فصل من هذه التراجيديا المأساوية ، وكلما فكر بالتراجع عن قرار قتلها يضج فيه صوت نصفه الوحشي صارخاً : هيا اقتلها لا تدعها تخرج فإن خرجت من هنا سالمة لا تعود إليك ، سترحل عنك للأبد وستذهب لحضن رجل آخر غيرك “ .

الوكر لم يغلق بقتل “ سناء “ ، فها هو نعمان يفتحه لقتل صديقه المقرب “ ناصر “ بنفس تلك الروحية التي جُبلت على السادية ، هذه الـروح الشريرة لم تسلم من العقاب فقد شارفت على الوقوع في قبضة القانون بعد أن حامت حولها الشبهات ، نعمان اختفى مخلفاً جريمـة أخيرة فقد فجر وكره الشيطاني بعد دخول الشرطة إليه للقبض عليه :

“ ، وقد لمح الرعاة شبحاً على أطراف المدينة ، يركض صوب الصحراء ، ولم يفقهوا سره ، راح يختفي عن البصر ، تلاشى بين الكثبان “ .

“ وكر السلمان “ ، رواية تخلّلها عنصر الخيال بصورة أقرب للواقع ، والراوي / الصوت السردي الوحيد المهيمن منذ بدايتها حتى نهايتها ، في خط زمني مؤامراتي تألف من سلسلة

من الأحداث والأفعال ، أما هيكل حبكتها فقد قام على دعائم الصراع – الاحتكاك – بين شخصياتها ، بحركات لم تعقد أو تثير المتلقي بفعلها المتصاعد المحرض على الأحداث اللاحقة المرتبطة بترتيبات مختلفة ، على سبيل المثال :

ترتيب زمني ، يبدأ في الحاضر والعودة إلى الماضي ، ثم العودة ثانية للحاضر ، أما أبرز عناصرها السردية كان – الإنذار – أو التلميح بنتيجة الصراع من خلال أفعال شخصيات الرواية أو رموزها .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram