عمــار ســاطع
ها هو الحزن يعود إلينا مرة أخرى.. لا ليخيّم على الوجوه بعد أن خطف الموت مِنّا واحداً من أباطرة الكلمة المهذّبة والنقية والمُلهمة، ألا وهو الاستاذ الراحل سعدون جواد، والذي ذهب ضحية الفايروس اللعين كورونا!
أجل أنه الفراق الأبدي بِعَينِهِ .. فهذا هو قانون الحياة الذي يسري على الجميع بلا استثناء! ولكن ما يفترض أن نفعلهُ اليوم هو أن نستذكر صفات الراحل أبا نزار والدروس والتجارب التي استنبطها مَنْ عرفهُ عنه، خاصة أنه أسّس طيلة سنوات عملهِ الصحفي المهني فضلاً عن التربوي الرصين، برنامجاً إصلاحياً نموذجياً شاملاً ورفع شعارات المطالبة بضرورة الارتكاز على أسس ومناهج لتحفيز صحفيي الأجيال اللاحقة على المضي في السير على خطوات تؤكد على هوية الصحفي والتنوّع في أساليب الارتقاء بعملهِ والتعريف بالدور الذي يفترض أن يلعبه الصحفي بقلمه وتناولاته للمواضيع المختلفة والتركيز على ابداعاته في بلاط صاحبة الجلالة، حيث تكون تفاعلاته، الى جانب تشجيع الجيل الصحفي الحالي على التدرّج بخطوات واثقة وراسخة في كل ما من شأنه يُسهم في التأثير على صناعة القرارات الصحيحة والصائبة!
الراحل أبا نزار .. كان أحد أبرز فرسان الكلمة وصُنّاعها، بل وأكثر الصحفيين متابعة لتداعيات الأحداث في طريقة عرض المواضيع!
لقد كان سعدون جواد، أميناً في رحلته مع الصحافة الرياضية، وأكثر الزملاء هدوءاً في تناول أصعب الأمور، بل وكان متريّثاً حتى في كيفية اطلاق الأحكام!
لقد عرفتُ الاستاذ الراحل، سعدون جواد، أواسط عام 1995، وكان يشغل موقع مدير مدرسة النظامية في منطقة العلوية بالعاصمة منتقِلاً إليها من ثانوية عقبة بن نافع، في شارع فلسطين، مثلما كان في تلك الفترة يعمل في مجلة الرشيد واسعة الانتشار، وما زلتُ أذكر ذلك اللقاء المثير الذي أنجزهُ بفوارقه مع النجمين الكبيرين الخلوقين الراحل ناطق هاشم كابتن فريق الطيران (القوة الجوية حالياً) وكريم صدام هدّاف فريق الزوراء، وأذكر أيضاً أسلوبه وحنكته ومرادفاته التي سطّرت واحدة من أجمل اللقاءات الصحفية، وحواره مع الملاكم التونسي توفيق البلبولي على صفحات مجلة الرشيد.
الراحل أبا نزار.. عرفتهُ عن قربٍ، أكثر فأكثر يوم أشرف علينا في العام 2004 بدورة عن النقد الكروي في قاعة كلية الإعلام في الباب المعظم، وأقتربتُ أكثر منهُ منذُ فترة تسلّمه مهمّة القسم الرياضي في مجلة “الاسبوعية” من العام 2009 ولغاية توقفها.. حيث باتت الاتصالات بيننا شبه يومية، وهو يستفسر عن أمورٍ متعدّدة ويأخذ بآراء المُهمّين عنده بهدف جمع أكبر كمية من المعلومات وصولاً لاتخاذه موقفاً وقراراً يبتعد عن الميول ويقترب من صناعة رأي مُحايد، يقضي على التساؤلات والتوجّهات من شتى الأمور، وهو ما يُوصلنا لحقائق دامغة لا تقبل الشك، هذا الى جانب أنني عرفته نابضاً ومشعّاً.
اسمحوا ليّ أن اعتبر الأستاذ أبو نزار سفيراً فوق العادة، بل أنه كان أنموذجاً مختلفاً من طينة الكُتاب الكِبار، المُهمّين والمؤثرين، بينما يُسمّيه من هُم كانوا في عِداد الاصدقاء بأنّهُ من كُتّاب المقال المُحنّك وصاحب عمود يُحاكي الجميع، تربوي ومُهذّب في تناولهِ للمواضيع!
الواقع أنه من المُتميّزين في التعليق على الأحداث .. قلم رصين ورشاقة ما بعدها رشاقة!
رحم الله الأستاذ الرائد في مجال الصحافة والإعلام الرياضي.