ثائر صالح
يندر أن نعثر في تاريخ الموسيقى على شخصية مشابهة لشخصية الموسيقار الروسي والمواطن العالمي إيغور سترافنسكي (1882 – 1971)،
في تنوعها وروحها التجديدية وفي إثارة الجدل في نفس الوقت. كان هذا الموسيقار يولد من جديد كل عقد من السنين تقريباً، عندما يبدأ بكتابة أعمال بأسلوب يختلف كثيراً عن الأسلوب الذي يسبقه، ويفاجئ المهتمين بالموسيقى بالجديد، وأحيانا بما يصدم وحتى يتسبب في "فضائح" مثلما حصل مع عمله "طقوس الربيع" (1913) في باريس بعدما وصفه النقاد بالعمل الفج والبربري.
ولد بالقرب من سانكت بطرسبورغ في عائلة موسيقية، فأبوه كان مغنياً مهماً في دار اوبرا مارينسكي وأمه عازفة بيانو جيدة. لكنه، بخلاف الكثير من الموسيقيين اللامعين، لم يكن طفلاً معجزة. قبله ريمسكي – كورساكوف كطالب خاص لديه سنة 1903 (وكان وقتها بروفيسور في كونسرفاتوار سانكت بطرسبورغ) إلى جانب دراسته الحقوق. كانت السيمفونية في ره بيمول من أوائل أعماله المهمة (1905)، كتبها بتأثر واضح بأعمال تشايكوفسكي وغلازونوف وبالطبع استاذه ريمسكي كورساكوف. لكن لم يلمس النقاد فيها أي أسلوب خاص بسترافنسكي نفسه. كل هذا سيتغير مع أعماله اللاحقة عندما ظهرت شخصيته المتميزة وبقوة. أهم هذه الأعمال "الألعاب النارية" و"السكرتسو الفنطازي" (1908) التي استمع إليها سيرغي جاغيليف أحد أشهر منظمي وممولي عروض الموسيقى والباليه في باريس، فطلب منه أعمالاً لموسم 1910 لفرقة البالية الروسية هناك فكتب له "طائر النار" الذي جلب له نجاحاً كبيرا. تبعه بباليه بتروشكا الشهير بألوانه وإيقاعاته الغريبة، قبل أن يكتب طقوس الربيع في 1913. تعاون مع العديد من الفنانين في ابتكار الجديد في تلك الأعمال، منهم بابلو بيكاسو وجان كوكتو.
استقر سترافنسكي في سويسرا ثم في فرنسا بعد الثورة البلشفية ولم يعد إلى بلده، بخلاف مواطنه الموسيقار سرغي بروكوفييف (1891 – 1953) الذي أنجز هو الآخر أعمال باليه لفرقة باليه روس في باريس، فقد عاد سنة 1936 الى روسيا بينما انتهج سترافنسكي موقفاً يمينياً تجاه السوفيت، مثله مثل الموسيقار وعازف البيانو الكبير سرغي رخمانينوف (1873 – 1943). زار الاتحاد السوفيتي مرة واحدة سنة 1962 بدعوة من اتحاد الموسيقيين السوفيت، ونظمت له فرص قيادة الفرق في ست حفلات في موسكو ولنينغراد، والتقى بنيكيتا خروشتشوف السكرتير الأول للحزب الشيوعي الروسي، وبعدد من الموسيقيين منهم شوستاكوفيتش وخاتشاتوريان.
نشهد أول تحول اسلوبي في أعمال سترافنسكي في باليه بولتشينلاّ (1920) حيث اتجه نحو ما يعرف بالكلاسيكية الجديدة. استمرت غلبة هذا الأسلوب حتى بعد هجرته الى الولايات المتحدة مع بداية الحرب الثانية في 1939، لكنه بدأ بالتوجه نحو الأساليب المعاصرة مرة ثانية في الخمسينات بانشغاله مع الموسيقى التسلسلية (التي تطورت من الموسيقى الاثنتي عشرية التي ابتكرها النمساوي أرنولد شونبرغ وزملاؤه، وتسمى أحيانا بالموسيقى اللامقامية كناية عن نبذها المراكز النغمية في السلم الموسيقي التقليدي).
الألعاب النارية (1908)
بتروشكا (1911)
سيمفونية بثلاث حركات
في ذكرى آلدوس هكسلي (1963)