ناجح المعموري
من يعرف نصير فليح شاعراً واطلع على تجربته الشعرية يدرك جيداً بأنه الشاعر الوحيد في العراق الذي وظف المعرفة في الشعر ،
ولا قصدية بذلك ، بل هي مذوبة في لغته وتصوراته وأحاديثه ، لكن أغلب من كتب عن تجربته شاعراً التقط حضورات الفلسفة عبر تنوعاتها العديدة وحضوراتها المختلفة .
وفي الحديث معه تتضح أكثر هذه الاهتمامات ، وهو من المبشرين بالفلاسفة الجدد الذين اقترحوا مغايرات لما هو مكرس فلسفياً وقدم توصيفاً مركزاً لتوصلات العديد منهم ، واتذكر بأنه حدثني طويلاً عن الفيلسوف " آلان باديو " وما أسسه مخترقاً فلسفة هايدجر في " الكينونة والزمان " وابتداء مشروع فلسفته " الكينونة والحدث " وأصدر لباديو كتابين أولها حوار طويل مع جاك دريدا وهو الأخير والثاني كتابه " آلان باديو " عن مكتبة عدنان ، وهو من الكتب المهمة ، لأنه اختصر بتركيز مشروع هذا الفيلسوف بترجمة جيدة ولغة سهلة ، حاول فيها التبسيط ، ليقدم الصعب سهلاً ومرناً ومقبولاً ، كل هذه المقدمة من أجل الإشارة لسلسلة نصير فليح الجديدة وهي الجزء الثاني من " ما بعد دريدا " وهو " سلافوي جيجك " وبذل نصير جهداً مهماً في التعريف بهذا الفيلسوف وقدم له وعرف به وبما نشر وأنا واثق بأن هذا الكتاب هو الأول بالعربية ليس في العراق وإنما في البلاد العربية وقال فليح عن مشروعه هذا : فلاسفة وفلسفات معاصرة / من القرن الحادي والعشرين .
وسأحاول بهذا المقال الحديث بتركيز عن " جيجك ومفهوم" الذات لأنه الأقرب للفضاء الفلسفي وأكثر حضوراً في الدروس الثقافية وللذات حضور مهم ضمن المفاهيم " الحقيقية " والموضوع ، والكينونة ، وهي مثلما هو معروف مواضع فلسفية أساسية ، والذات موضوع شائك وعميق ، على الرغم من شيوعه بالحياة الثقافية وتكرسه فلسفياً من خلال ديكارت ومثلما قال الاستاذ نصير فليح ناقلاً عن معجم اكسفورد : الذات مصطلح تعميمي يستخدم على نطاق واسع للإشارة الى ما يصطلح عليه عادة بالفرد أو النفس ، ومفهوم الذات بفلسفة ديكارت ، الذي يعتبر أباً للفلسفة الحديثة ــ كان ولا يزال مفهوماً تأسيساً تفرعت النقودات والتصورات حوله ولا تزال .
وشاع اهتمامه مثلما هو معلوم بالنظرية البنيوية إقصاءً للذات وإحلال البنية بديلاً لها ، وكرست ذلك ما بعد البنيوية ، وتحول الاهتمام نحو اللغة وعلاقتها بالحياة اليومية والواقع ، لذا صارت مركزاً رئيساً لتعرّف على الإنسان من خلالها وعلى المحيط المستوعب له ، كذلك الاقتراب للإنسان من خلال اللغة أكثر فأكثر لمعرفة الحياة والعالم ، أما " ما بعد البنيوية " والتي برز فيها " دريدا ، فوكو ، لاكان ، ليوتار ، دلوز " .
وحسب مفهوم جيجك للذات هي " فراغ " وهو الممكن في التحول من حالة الطبيعة الى حالة الحضارة ذلك أنه إذا لم يكن ثمة فجوة بين شيء ما " او موضوع ما " وتمثيل ذلك الشيء " أي الكلمة ، أو اللغة " عندما سيكونان متطابقين " لاكان للذاتية " وقال جيجك بأن الأولية لتكوينها ، فان هذه النواة واليقظة تظل خارجها لأنها أصلاً نجمت عن ما يحيطها ، أي الواقعي حسب المفهوم اللاكاني وللتوضيح أن الذات مستقلة بكيان عن ما هو خارجها وفي نفس الوقت يكون هذا الخارج هو المكان الذي توجد فيه ويمكن تشبيه ذلك بعملية النظر وكرة العين . فالعين ترى ما حولها لكنها لا تستطيع أن ترى نفسها ، إلا إذا نظرت بالمرآة ، أي إن الطريقة الوحيدة التي يستطيع الشخص أن يرى كرة عينه هي عبر وسيط خارجي / ص 52/ سلافوي جيجك //
قال الاستاذ نصير فليح : إن جيجك أعاد الاعتبار للمنهج الديكارتي ولكنه استفاد من المنهج الديكارتي و تصوره عن الذات والعالم .
ما توصل ديكارت في منهجه هو الانسحاب للداخل ، وهذه الأنا ليست جوهرية الفرد التي اقترحها ديكارت ، وإنما نقطة سلب فارغة نقطة السلب الفارغة هذه ليست " لا شيئاً " وإنما هي نقيض كل شيء ، أو سلب لكل ما هو محدد ، وفي هذه النقطة على وجه التحديد ، في هذا الفضاء الفارغ المنزوع من كل محتوى / ن . م / ص 50//