الأستاذ الناقد والباحث ناجح المعموري علامة فارقة ومضيئة في تاريخنا الثقافي ، فهو مع فئة من الباحثين العراقيين الجادين يمثل حلقة وصل مهمة بين انجازات علماء الآثار العراقيين ،والرؤيا الثقافية والنقدية التنويرية للموروث الثقافي والآثاري العراقي والعربي والإنساني .
فهو بوصفه باحثاً في الأساطير والميثولوجيا الرافدينية لا يأخذ موقف عالم الآثار والمنقب والمستكشف في اركيولوجيا كنوز موروثاتنا القديمة والوسيطة . بل يتخذ لنفسه مرقابا آخر،يعيد فيه فحص وتقويم وتأويل وقراءة هذا المنجز ،المادي والروحي للكشف عن دلالته ووظيفته ومعناه ،وبالتالي لأدراجه ضمن المسار الخصب للفكر العراقي عبر تراكمه المعرفي الوطني .
وناجح المعموري لايكتفي بالوقوف أمام المظاهر المادية أو الخطابات والمرويات التراثية والآثارية ،الشفاهية والمكتوبة. بل يعيد موضعتها وقراءتها وتأويلها من منظورات حداثية وفكرية تنتمي الى ما يسمى ب " المنهج الأسطوري " ،فهو بوصفه باحثاً ،يحفر عميقاً في البنى الثقافية الثاوية ، ويعيد تفكيك الظواهر التراثية ليكشف عن انساقها الحضارية والفكرية ،وليميط اللثام عن المهمش والمغيب في طروسها وطبقاتها المتراكمة أو تلك المنغرسة داخل دهاليز اللاوعي الجمعي والمتراكمة منذ الطفولة . بأختصار المعموري يقشر الأسطورة بحثا عن المعنى
فاضل ثامر
المفكرون قلائل في بلادي لاينتبه للمفكرين الذين يشقون طرقهم الخاصة بمعاول يصنعونها بأيديهم، بل يجري الانتباه إلى من يستهلك إنتاج الآخرين، معتمداً على نصوص سابقة ومقولات جرفها تيار الزمن، ولم تعد صالحة حتى للقراءة. المفكر الاستاذ ناجح المعموري وهو يخط بيديه اسمه على تراب بابل والمثيولوجية والأسطورة الرافدينية، لم يعتمد إلا على قراءته لها، ومن يقرأه يجد أن أسانيده من الميثولوجية مهمشة في مدونته، وليست أسانيد قارّة أو تلقينيات لا يجاريها البحث والنقد، هذه ميزة المفكر الذي لايبدأ من فراغ، ولا ينتهي إلى فراع.
بل كل عمله يتم في "المابين" يتقدمه إرث بجذور مشتبكة، ويعيش مع بحث منفتح على الحياة اليومية، ويحمل شجرته ثماراً لا تفسد. هذه المابينية وحدها التي تستوعب جدلية العمل الفكري بابعاده الثلاثة، ولولا الوعي بها لما أصبح ناجح المعموري مقروءاً، ليس من قبلنا نحن الباحثين عن المعرفة، بل من قبل القراء الذين تزداد اسئلتهم عما يكتبه.شخصيا أقرأ ما يكتبه الاستاذ ناجح المعموري، بحثاً عن أسئلة لم أعثر عليها، وهذا يكفيني ضمن حدود انشغالي بقراءة منجز مفكرينا القالئل.
ياسين النصير
يبقى الأستاذ ناجح المعموري مهموماً، ومنذ كتابه الأول، بالإنسان (الرافديني) في تجلياته الفكرية والانثربولوجية سواء جاء ذلك من خلال ملحمة جلجامش أم من خلال علاقة التوراة – وموسى تحديداً - بأساطير الشرق. وهكذا يمكننا تتبّعه في مواكبته لانبثاق المفاهيم عبر حفرياته في الطقوس والشعيرات التي زخرت بها الأساطير العراقية؛ إذ هناك وشيجة مشتركة بين الديني والسياسي ذابت في الأسفار التوراتية بدءاً من منطلقها الرافديني؛ فكانت المحصّلة سلسلة كتب توزّعت بين كتاب "موسى وأساطير الشرق" و"الأسطورة والتوراة" و"التوراة السياسي" و"أقنعة التوراة". ما يهمني ذكره في هذا الموضع هو أن جهود الأستاذ المعموري الميثولوجية توّجت في الفترة الأخيرة بالتفاته إلى السرديات المعاصرة مكتشفاً فيها تلاقحاً مثمراً لجهوده السابقة في نصوص حية خارج الرقم والألواح الطينية لا تزال تنبض بحرارة الواقع اليومي بما ينطوي عليه هذا الواقع من أنية تفاجئ المتلقي بالخلفيّة الأسطورية التي لا تزال تشكّل لحمتها وسداها.
عبدالخالق الركابي