متابعة المدى
منذ تصنيف فايروس كورونا جائحة عالمية في ربيع العام 2020، ظهرت عدة سلالات متحورة من الفايروس بدت أكثر فتكاً وقدرة على الانتشار،
ما أطال أمد الوباء في مناطق كثيرة من العالم. وقد تنامى الخوف خلال الأيام الماضية من سلالة جديدة لفايروس كورونا، واسمها العلمي "بي 1.617"، أو "السلالة الهندية" كما يتداولها الإعلام.
وتتميّز النسخة الهندية من فايروس كورونا بقدرتها على الانتشار السريع، كما أنّها تجمع بين طفرتين مختلفتين، ما يجعلها تفلت بسهولة من قبضة الجهاز المناعي.
كارثة إنسانية في الهند
وتسبّبت السلالة الجديدة من فايروس كورونا بكارثة إنسانية كبيرة في الهند، التي سجّلت ارتفاعاً غير مسبوق بعدد الإصابات والوفيات، مع انهيار شبه كامل بالنظام الصحي، وسط مشاهد مرعبة لجثث ضحايا الفايروس.
وبحسب آخر الأرقام الواردة من الهند؛ فقد تمّ تسجيل نحو 400 ألف إصابة جديدة وما يزيد عن 3700 وفاة خلال الـ 24 ساعة الماضية، لكنّ الأطباء والخبراء يقولون إنّ الأرقام الحقيقية تصل إلى 10 أضعاف الأرقام المُعلنة، مقدرين الإصابات اليومية بنحو 3 ملايين حالة.
وبهذا المعدل، يمكن أن تشهد البلاد أكثر من 30 ألف حالة وفاة بسبب فايروس كورونا يومياً في غضون أسابيع قليلة، وسط حالة من الفوضى في سجلات المرضى، مما يعني أنّ العدد الحقيقي قد يظل مجهولاً.
ولاحتواء تفاقم الوباء مدّدت العاصمة الهندية، السبت الماضي، الإغلاق الذي تفرضه لاحتواء وباء "كوفيد 19" لمدة أسبوع، وسط تفاقم كبير في عدد الإصابات والوفيات، وفق ما أورد موقع "times of india".
ما أعراض السلالة الجديدة؟
إلى جانب الأعراض المعتادة للإصابة بفايروس كورونا مثل؛ الحمى والتعب والسعال وفقدان حاسة الشم والتذوّق، لاحظ خبراء الصحة في الهند أعراضاً جديدة قد تكون مرتبطة بموجة السلالة المتحورة، والتي يطلق عليها الأطباء "طفرة الهروب" نظراً لقدرتها بالإفلات من الجهاز المناعي.
وقالت الدكتورة سوراديبتا تشاندرا، وهي طبيبة استشارية في مركز "هيلفيتيا" الطبي في دلهي، خلال تصريح لموقع "times now news"، إنّه من المحتمل وجود متغيرات ثنائية وثلاثية الطفرة من كوفيد-19 تم اكتشافها لأول مرة في الهند، ويبدو أنّ الطفرة نفسها تسبب أعراضاً لم يسبق رؤيتها من قبل.
طمأنت الهند مواطنيها قبل أيام بأنّ برنامج التطعيم الذي كان يستهدف كبار السن، سيمتد ليشمل كل شخص يبلغ من العمر 18 عاماً أو أكثر وأضافت الدكتورة "نحن نرى مرضى يعانون من الإسهال، وآلام البطن، والطفح الجلدي، والتهاب الملتحمة، وحالة الارتباك، وضباب الدماغ، وتغير لون أصابع اليدين والقدمين إلى اللون الأزرق، ونزيف من الأنف والحلق فضلاً عن الأعراض المعتادة مثل التهاب الحلق، وآلام الجسم، والحمى، وفقدان الشم والتذوق".
التقييم الدولي
رغم الوضع المأساوي الذي تشهده الهند بسبب كورونا، إلّا أنّ منظمة الصحة العالمية صنّفت النسخة الهندية من الفيروس (B.1.617) على أنّها "نسخة مثيرة للاهتمام" فيما صنّفت النسخة البريطانية (B.1.1.7) والنسخة الجنوب أفريقية (B.1.351) والنسخة البرازيلة (P.1) على أنّها "متحورة مُقلقة".
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية فإنّ هذه النسخ مثيرة للقلق لأنّها سريعة الانتشار وأعراض المرض فيها أخطر وأطول، وأيضاً لأنّها تتمكن من الإفلات من الجهاز المناعي، وفق ما أورد موقع "دويتشه فيليه".
هل اللقاحات فعّالة؟
يرى بعض الخبراء أنّ اللقاحات بشكل عام ستساهم في تقليل مضاعفات المرض بالسّلالة الهندية الجديدة، وما زال الأمر يخضع للتجريب الدقيق، إلّا أنّ بعض الشركات المُصنّعة للقاحات أعلنت فعاليتها بالفعل.
وقال ألبير بورلا، الرئيس التنفيذي لشركة "فايزر"، في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية، إنّه "متفائل" بشأن قدرة المصل على مواجهة المتحور الهندي، قائلاً: "بالنسبة للمتحوّر الجديد الذي رُصد في الهند، ليس لدينا أية بيانات، لكنّني متفائل بشأن قدرتنا على السيطرة عليه".
من جانبه، أكّد ألكسندر غينسبورغ، مدير مركز "غاماليا" الروسي للوبائيات، فعالية لقاح "سبوتنيك 7" الروسي أمام الطفرة الهندية.
وقال غينسبورغ: "تلقّي جرعتين من لقاح "سبوتنيك 7" يمنح مستوى عالياً من خلايا المناعة، حتى لو تغيّرت الأجسام المضادة"، وفق وكالة نوفوستي للأنباء.
أكّد مدير مركز "غاماليا" الروسي للوبائيات، فعالية لقاح "سبوتنيك 7" الروسي أمام الطفرة الهندية في غضون ذلك، قال سوميترا داس، عالم ومدير المعهد الوطني لعلم الجينوم الطبي الحيوي في الهند، إنّ السلالات ثنائية وثلاثية الطفرة التي تم اكتشافها لأول مرة في الهند، هي النوع نفسه من فايروس كورونا، وإنّ اللقاحات التي تعطى حالياً في البلاد فعالة في هذه المتغيرات.
يُشار إلى أنّ الهند تُعدُّ واحدة من أهم الدول المنتجة للقاحات المضادة لفايروس كورونا، ولديها أكبر مصنع للقاحات في العالم، لكنّها لم تطعم ما يكفي من السُكّان الذين يبلغ عددهم نحو 1.4 مليار نسمة، ما يعني أنّ أمامها طريقاً طويلاً من أجل كبح العدد المتزايد من الإصابات، وفق ما أورد موقع "سكاي نيوز".
في كثير من أنحاء العالم، لا يزال من الصعب الحصول على اللقاحات، خاصة في البلدان الفقيرة. ففي الهند، تم تطعيم أقل من 2 في المئة من السكان بشكل كامل، بحسب نيويورك تايمز.
وقال الدكتور جها: "إذا أردنا وضع هذا الوباء وراء ظهورنا، فلا يمكننا ترك الفايروس ينتشر في أجزاء أخرى من العالم".
وتشير الدلائل الأولية إلى أن اللقاحات فعالة ضد الطفرات، على الرغم من أنها أقل تأثيراً على بعضها. وقالت الدكتورة سيلين غوندر، طبيبة الأمراض المعدية وعالمة الأوبئة في مستشفى بلفيو في نيويورك: "في الوقت الحالي، تظل اللقاحات فعالة، لكن هناك اتجاه نحو فعالية أقل". يقول صانعو اللقاحات إنهم مستعدون لتطوير جرعات معززة من شأنها مواجهة الطفرات، لكن مثل هذا التطوير لن يفيد كثيراً الدول الفقيرة التي تكافح بالفعل للحصول على اللقاحات الحالية. ويقول الخبراء إن أفضل طريقة لتجنب ظهور سلالات خطيرة هي الحد من الإصابات الجديدة، وتطعيم معظم البشر في أسرع وقت ممكن.
وعلى الرغم من أنها أكبر منتج للقاحات في العالم ليس لدى الهند ما يكفي لتحصين سكانها مما يقوض خطة لتكثيف وتوسيع برنامج التطعيم.
وقال الدكتور مايكل دايموند، اختصاصي المناعة الفايروسية بجامعة واشنطن في سانت لويس، إنه كلما طال انتشار فايروس كورونا، كلما زاد التحور، مما قد يهدد الأشخاص الذين تم تلقيحهم في نهاية المطاف؛ مضيفاً أن الحل الوحيد هو حصول دول مثل الهند على لقاحات كافية.
وأشار دايموند إلى أنه "من أجل وقف هذا الوباء، علينا تطعيم العالم بأسره. ستكون هناك موجات جديدة من العدوى مراراً وتكراراً ما لم نقم بالتطعيم على نطاق عالمي"
وكانت الحكومة الهندية قد طمأنت مواطنيها قبل أيام بأنّ برنامج التطعيم الذي كان يستهدف كبار السن، سيمتد ليشمل كل شخص يبلغ من العمر 18 عاماً أو أكثر، لكن حتى الآن، لا تزال وتيرة التطعيم بطيئة للغاية؛ إذ لم يتلقَ اللقاحات سوى حوالي 2 بالمئة من الفئات المُستهدفة.