علي حسين
عشنا منذ عام 2003 مع تعبير أثار جدلاً واسعاً اسمه "الاجتثاث"، وكان الغرض منه اجتثاث من تلطّخت أيديهم بدماء العراقيين، إلا أن قادة الأحزاب بفروعها وقوميّاتها أصروا على اعتبار معظم العراقيين من "العهد المباد" ويجب إبادتهم. ثم تحول الاجتثاث إلى لجنة للمصالحة لصاحبها عامر الخزاعي ، وهو مشروع على غرار المشاريع الكوميدية التي كان يطلقها البرلمان ولا يزال.
18 عاماً ومازلنا نبحث عن سياسيين أكفاء، ما زال تأثير الطائفية والمحسوبية الانتهازية أقوى من الديمقراطية والحرية .
منذ أيام وصفحات الفيسبوك منشغلة بمعركة محمد الحلبوسي مع "الاجتثاث" فالحلبوسي في لحظة صفاء قرر أن يلغي مصالحة الخزاعي ويعيد لنا قانون بريمر، والسبب أن السيد الحلبوسي منزعج جدا من بعض الساسة الذين يعارضون استمراره على كرسي رئاسة البرلمان، وفات صاحب صولة الاجتثاث أن ينظر جيداً إلى قائمة السياسيين وسيكتشف أين تختبئ مأساتنا، ومن يحمل الأفكار الطائفية والاقصائية، وكيف أن العديد من سياسيي ما بعد 2003 ينطبق عليهم قانون الاجتثاث، ومثلما يريد الحلبوسي اعادة قانون الاجتثاث ، وعدم المساس والاقتراب من البرلمان العتيد ، أطالب أنا العبد الفقير لله، بتطبيق المادة السادسة من قانون الاجتثاث على معظم أحزاب السلطة بفرعيها السنّي والشيعي، وهي المادة التي جاء فيها: "يطبّق القانون على جميع الأحزاب والكيانات والتنظيمات السياسية التي تنتهج أو تتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو تحرّض عليه أو تمجّد له أو تتبنّى أفكاراً أو توجّهات تتعارض مع مبادئ الديمقراطية".
ربما يقول قارئ عزيز، يارجل، هل تريد أن نتسامح مع جرائم البعث؟.. عندما خرجت ألمانيا من الحرب العالمية الثانية مهزومة قرر العجوز كونراد أديناور الذي قاد بلاده وهو في سن الثالثة والسبعين، أن يضع النازية وجرائمها في متاحف تذكّر الشعب بأن لا عودة إلى الماضي، ولم يشكل لجان اجتثاث أو إقصاء، لكنه في المقابل استطاع خلال فترة حكمه التي بلغت 14 عاماً أن يصنع من ألمانيا معجزة اقتصادية خلال سنوات قليلة ويحولها إلى واحد من أقوى اقتصاديات العالم.
لو أعدنا قراءة التاريخ مرة أخرى، لوجدنا أن الحوار هو الذي ينتصرغالباً على يـد رجال كلماتهم أقوى من المدافع، أفكر طبعاً في غاندي ونهرو، ومانديلا ولي كوان وميركل.
الذين هزموا الفوضى وكسروا خوف الناس وأعلوا كرامة شعوبهم، لم يكونوا قادة معارك " اجتثاث " ، ولا رافعي لافتات "ما ننطيها" كانوا رجالاً يحبّون شعوبهم لا مقرّبيهم، ويعملون لأوطانهم لا لأحزابهم، لم يقطع نهرو صلة شعبه بالماضي ولم يجتثّ المختلفين معه في الرأي ولم يبحث عن قانون للرموز الوطنية، بل أنشأ دولة تعرف معنى الحريّة والاختلاف بالرأي.