آيان بريمر *
ترجمة / المدى
يعمل وباء كوفيد -19على تسريع العديد من التغييرات العالمية الهائلة الجارية بالفعل مسبقًا ، راسما ملامح نظام عالمي بلا قيادة.
لأن كوفيد لم يشعل النار أصلا بل صب البنزين على النيران.فقد تسببت جائحة كوفيد -19 في أكبر أزمة منذ الحرب العالمية الثانية. لكن التغييرات التي تسارعت كالأزمة الصحية - وتزايد عدم المساواة ، وتآكل الشرعية الديمقراطية ، والمؤسسات العالمية القديمة ، والاضطراب التكنولوجي - كانت جارية بالفعل .
ففي الولايات المتحدة ، أدى الاختلاف في الوصول إلى الرعاية الصحية للأثرياء والفقراء ، فضلاً عن أنواع الوظائف التي يُرجح أن تتأثر بالأزمة (الوظائف الشخصية، وتجارة التجزئة ، والضيافة ، وما إلى ذلك) إلى زيادة التأثير غير المتكافئ للوباء. ولأن السود والأسبان هم أكثر عرضة لاحتلال الدرجات الدنيا من السلم الاجتماعي والاقتصادي ، فإن الآثار الاقتصادية والصحية لـ (كوفيد -19) أثرت بشكل أكبر على مجتمعاتهم.
كما نلاحظ بأن فترات الركود دائمًا ما تكون أصعب على الفقراء ، لكن خصوصيات الوباء جعلت الركود الناتج عنه هو الأكثر تفاوتًا في تاريخ الولايات المتحدة.فقد أوجد الوباء أيضًا حوافز لأصحاب العمل لزيادة الاستثمار في الأتمتة والتعلم الآلي والطباعة ثلاثية الأبعاد ، مما سيكون له المزيد من الآثار السلبية على العمالة منخفضة المهارات ..
لقد أدى الوباء ايضا الى تسريع الفقدان المستمر لثقة الجمهور في المؤسسات الوطنية والدولية. ففي الولايات المتحدة ، يتنامى الانقسام السياسي والغضب العام من المؤسسة السياسية منذ سنوات. وقد قوض التدخل الأجنبي في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 ثقة الجمهور في نزاهة الانتخابات ، بينما هددت مزاعم ترامب التي لا أساس لها من تزوير الناخبين بتقويض الثقة في المؤسسات السياسية - على الأقل بالنسبة لأتباعه. لقد كشف الوباء أيضا مدى سوء تجهيز مؤسساتنا متعددة الجنسيات في حقبة الحرب الباردة لمواجهة المشاكل العالمية اليوم. اذ يجب أن تكون قوى المحور المهزومة لليابان وألمانيا أعضاء دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (فهم أصدقاؤنا الآن) فضلا عن الحاجة إلى تحالف عسكري متعدد الأطراف بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا لمواجهة القوة الصينية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
لقد تعافت الصين بسرعة أكبر وبشكل كامل من الوباء الذي بدأ داخل حدودها ، وستكون الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي ينمو في السنوات المقبلة . كما أدى الوباء إلى تسريع طموح الصين لتقديم نفسها كبديل للقيادة الغربية. وتقوم الدولة الآن بتسويق لقاح ميسور التكلفة يشق طريقه إلى العديد من الدول النامية في آسيا وأفريقيا - حيث كانت الصين في السابق تحقق نجاحات اقتصادية. ومع ذلك ، فقد ولّدت الصين أيضًا درجة كبيرة من عدم الثقة الدولي من تعاملها مع الوباء. بعد ان حاولت بكين التستر على تفشي المرض الأصلي وإسكات الأطباء الذين حاولوا تحذير العالم من كوفيد -19- مما ساهم في الطريقة المتساهلة بالفعل التي تعاملت بها الدول الغربية مع انتشار كوفيد -19من حدود الصين في أوائل عام 2020.
لقد أدى التأثير الصحي الهائل للوباء على الولايات المتحدة ، وسوء التعامل العام مع الأزمة ، إلى مزيد من تآكل ثقة الجمهور في الرئاسة والكونغرس والمؤسسات مثل مراكز السيطرة على الأمراض ومنظمة الصحة العالمية.فالآراء منقسمة للغاية بشأن ذلك ، لكن الولايات المتحدة أيضًا لا تمتلك الديمقراطية المدنية الصحية التي نراها في اليابان أو ألمانيا أو دول الشمال أو كندا.
لقد خلق الوباء المزيد من الحوافز للاستثمار في الأتمتة والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية. وأدى إلى تراجع التصنيع التقليدي والتجارة الإلكترونية وتكنولوجيا المعلومات. وسوف يتطلع المصنعون إلى مزيد من أتمتة مصانعهم وسيختار تجار التجزئة بشكل متزايد القنوات الرقمية ، بعد أن سمحت البنية التحتية الرقمية لموظفي المكاتب بالعمل من المنزل ، وستواصل الشركات الكبرى الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية التي تخلق الكفاءات ، مثل أتمتة العمليات الروبوتية. كما أن التقدم التكنولوجي سيخلق فرصًا للتعلم عن بعد ، والتطبيب عن بعد ، والزراعة الأكثر كفاءة ، و "المدن الذكية" في المستقبل. ومع ذلك ، فإن هذه التغييرات ستترك الكثير من الناس خلف الركب في كل من البلدان الغنية والفقيرة ..ففي حالة عدم وجود سياسة قوية وفعالة ، ماذا يحدث للمسؤولين وسائقي الحافلات وعمال المصانع وموظفي التجزئة الذين عفا عليهم الزمن؟ باختصار ، لم يخلق الوباء مشاكلنا ، بل أدى الى تسريع نموها ، وهو الآن يحرمن من الوقت والموارد لحلها ..!
* عالم سياسي والمؤسس والمدير التنفيذي لمجموعة أوراسيا الاستشارية للمخاطر السياسية