ترجمة: حامد أحمد
هدى خالد 33 عاماً، واحدة من بين 14 امرأة أخريات يعملن ضمن فريق إزالة الألغام والمخلفات الحربية غير المنفلقة في محافظة البصرة،
تقول لمجلة فايس VICE الأميركية " يقولون إن هذه المهنة خطرة، هذا صحيح، إنها خطرة بنسبة 100%." تقول خالد، التي يتم تدريبها حالياً مع 13 امرأة أخرى على إزالة الألغام والمواد المتفجرة من المنطقة، " نحن أبناء الشعب العراقي قد مررنا بظروف أكثر صعوبة، على مدى سنوات شهدنا انفجارات تقع أمام أعيننا في الأسواق وفي الشوارع، وظيفتنا عالية الخطورة كما هي الخطورة التي تتعرض لها أرواحنا."
واستنادا لمكتب، يونماس UNMAS التابع للأمم المتحدة المختص بإزالة الألغام في العراق، فان العراق يعتبر من بين البلدان الأكثر تلوثاً بمخلفات الحرب غير المنفلقة والالغام في العالم، عقود من الحروب شهدتها البلاد خلفت وراءها ما يقارب من 2.7 مليار متر مربع من الأراضي الملوثة بالألغام والمواد المتفجرة من مخلفات حربية تعادل مساحتها أكثر من ثلاثة أضعاف ونصف مساحة مدينة نيويورك. هذه الألغام والقنابل غير المنفلقة تشكل خطراً كبيراً على أرواح مدنيين في المنطقة خصوصاً الأطفال.
وفقا للمسؤولة، نبراس فاخر التميمي، من مديرية مكافحة الألغام العراقية المعنية بالإشراف على جهود إزالة الألغام في البلاد، فإن أكثر من ثلث المنطقة الملوثة تتواجد قرب مدينة البصرة. كونها تقع على بعد أقل من 100 كم عن الخليج العربي ومحاطة بين كل من الكويت وإيران، فان محافظة البصرة تتمتع بأهمية ستراتيجية كبيرة في الحروب التي خاضها العراق عبر نصف القرن الماضي وتلوثت أراضيها بسبب ذلك بألغام ومواد متفجرة.
تقول التميمي إنه خلال الحرب العراقية – الإيرانية التي استمرت من العام 1980 الى عام 1988 قد تم زرع ملايين الألغام على طول المناطق الحدودية بين البلدين. وتم استهداف المنطقة أيضاً خلال حرب الخليج الثانية عام 1991 وكذلك في حرب غزو العراق عام 2003.
وأضافت التميمي بقولها " خلال تلك الحربين الأخيرتين تم إلقاء ملايين القنابل العنقودية على المدينة خصوصاً في المناطق الغربية منها. هذه القنابل ما تزال لحد الآن تفتك بناس أبرياء، نقوم بتسجيل عشرات من تلك الحوادث سنوياً."
ولأجل التسريع بعملية إزالة الألغام والمواد المتفجرة من المنطقة، بدأت شركة البيرق الخاصة لمكافحة الألغام بتدريب نساء. وضمن دورة تدريب تستمر لمدة 21 يوماً يتم تزويد المشاركين بشهادة خبرة في مجال إزالة الألغام تؤهلهم للعمل في وظائف حكومية ومع منظمات غير حكومية أخرى. هذه أول مبادرة يتم تطبيقها في البصرة، وكان مكتب يونماس التابع للأمم المتحدة قد شكّل فريق مكافحة ألغام نسوي في الموصل شمالي العراق.
وليد سعدون، المسؤول عن البرنامج في مؤسسة البيرق، يقول " كل من المتدربين والشركة قد واجهوا كثيراً من التحديات، عمل النساء في جنوبي العراق غالباً ما يكون محدوداً خصوصاً عندما يتعلق الأمر بوظائف مثل هذه. اعتقد إننا نجحنا بكسر هذا القيد، إصرار المتدربات يشجعنا على الاستمرار بدعمهم والوقوف بجانبهم."
تقول المتدربة هدى خالد إن عائلتها لم توافق على قرارها بمواصلة التدريب. وأكدت قائلة " جزء من رفضهم له علاقة بالتقاليد، ولكن الجزء الآخر يتعلق بالخوف والخشية من هذه المهنة. الحديث عن الألغام والمتفجرات يرعب كل شخص، اسمع أفراد عائلتي وهم يقولون إنهم يخشون إنني قد أفقد اطرافي او أصبح مشوهة حال انفجار شيء بقربي."
خالد اعترفت إنها كانت هي نفسها خائفة في بداية التدريب ولكن هذه المخاوف تلاشت عندما تعلمت أشياء أكثر عن المهنة، ومضت بقولها " لا اعتقد أن هناك وظيفة معينة حكرٌ للرجل أو المرأة، يجب أن يكون هناك مساواة في كل المجالات، سبب رغبتي للالتحاق بهذا البرنامج هو من أجل تنظيف مدينتي من الألغام والمواد المتفجرة، إنها لوثت مدينتي على مدى أكثر من 40 سنة."
يتطلب من المشاركات خلال جلسات التدريب أن يرتدين درعاً واقياً للجسم مع خوذة وأقنعة للوجه. هند حسين 32 عاماً، خريجة فلسفة، تقول إن عائلتها قلقة عليها أيضاً ولكنها حظت بكل الدعم منهم. وأكدت بقولها " غالباً ما تقول لي عائلتي وأصدقائي بأنهم فخورون بي، ولكن قسماً من الرجال يعتقدون بأن النساء لا يمكنهن النجاح في هذا المجال. لا اعتقد إن كان هذا نابعاً من التقاليد، أو من خشية أننا قد نثبت نجاحنا بأنفسنا، أنا واثقة أن قسماً من الرجال يخشون خوض غمار هذه المهنة ولكن نساء عراقيات اثبتن نجاحهن وتحدين هذه الأفكار الموروثة، كل ما يهمني هو خدمة بلدي العراق، الذي يكون بحاجة لدعم من قبل شعبه رجالاً ونساء."
خلال عام 2010، خمنت وزيرة البيئة السابقة، نرمين عثمان، أن ما يقارب من 55 مليون قنبلة عنقودية قد ألقيت على البلاد للفترة ما بين عام 1991 و2003، وإن 40% من هذه القنابل ما تزال غير منفلقة، معدل الفشل العالي لهذه القنابل من أن تنفجر حال إلقائها يجعل من هذه القنابل العنقودية من الأسلحة ذات المخاطر الشديدة على المدنيين ليس في أوقات الحروب فقط بل لعقود قادمة من السنين.
هذه هي أحد الأسباب التي أدت الى تحريم استخدام هذه القنابل في عام 2008 ضمن معاهدة الذخائر العنقودية التي تبنتها 123 دولة حول العالم، ولكن الولايات المتحدة لم تنضم لهذه المعاهدة. وخلال حرب الخليج الأولى لوحدها زرعت الولايات المتحدة 120,000 لغم أرضي في العراق والكويت.
ورغم استمرار عمليات إزالة الألغام، فان تقريراً لموقع ريليف ويب خلال هذا العام قال إنه ما يزال هناك 8.5 مليون عراقي معرضون لمخاطر الألغام والمواد المتفجرة الأخرى. بالإضافة الى الموصل حيث هناك ما يقارب من 8 ملايين طن من المتفجرات يتطلب إزالتها، فإن محافظة الأنبار قد أصبحت أيضاً مكاناً خطراً لمخلفات الحرب ضد داعش من ألغام وعبوات ناسفة. ما يقارب من 150 ألف متر مربع من مساحة الأنبار ما تزال ملوثة بالمتفجرات وأغلب تلك المناطق تقع حول مدينتي الرمادي والفلوجة.
وقالت المتدربة خالد " لا اهتم بمدى خطورة هذه المهنة، كل ما اتمناه هو الحصول على وظيفة دائمية بعد التدريب، وأتمنى أن أطبق كل ما تعلمته لإزالة أكبر قدر ممكن من الألغام لحماية ناس أبرياء."
عن مجلة VICE الأميركية