TOP

جريدة المدى > عام > موسيقى الاحد: الاذن المطلقة

موسيقى الاحد: الاذن المطلقة

نشر في: 19 يونيو, 2021: 09:47 م

ثائر صالح

-الجزء الأول-

يمتلك عدد قليل من الناس القدرة على تمييز طبقة أو درجة الصوت دون الحاجة إلى معرفة الطبقة (الدرجة) القياسية.

بعبارة أخرى سيتعرف الشخص على النغمة فوراً دون أن يحتاج إلى مقارنتها بصوت قياسي (وهو عادة نغمة لا وقيمتها الترددية 440 هرتس). تسمى هذه الظاهرة الاذن المطلقة أو السمع المطلق، وهي ترجمة للمصطلح الأوروبي الذي يقابلها. لا يشترط أن يمتلك الموسيقيون هذه الصفة بالطبع، فالظاهرة الأخرى المسماة الاذن النسبية أو السمع النسبي، هي الشائعة بين الموسيقيين، وهي تأتي عبر تدريب قدرات الاذن على التمييز بين الأصوات. ويعتبر ودرس الصولفيج الشهير في المعاهد الموسيقية أحد أهم هذه التدريبات، يكمن جوهره في تعليم القراءة الشفاهية للنوطة وقراءة الأصوات. التدريب المهم الآخر هو درس السماع الموسيقي والغناء في كورس مع الآخرين.

لكن ما السر الكامن وراء هذه الظاهرة النادرة؟ لا يوجد تفسير دقيق لها، ويعتقد بعض الباحثين بالأسباب الوراثية، ويعتقد آخرون بأن الجميع يولدون بهذه القابلية وما علينا سوى الحفاظ عليها من الضياع وتنميتها بالتدريب. لكن الخبرة تقول بأن نسبة من يتمتع بها بين الأطفال الذين يتلقون تدريباً موسيقياً قبل الرابعة (أو السادسة) من العمر هي أعلى بكثير من أقرانهم على العموم. وتدل أبحاث الدماغ أن الأمواج التي تنبعث من منه تشير إلى نشاط أقل في عملية استخراج المعلومات المخزونة ومقارنتها بالمعلومات الجديدة، فمن يتمتع بالسمع المطلق يستعمل خزين الذاكرة بدرجة أقل.

هناك مجموعة خاصة هم من يستطيع تحديد الصوت القياسي (لا) في ذهنه بدقة، ويحدد باقي الأصوات بمقارنتها مع هذه الدرجة. لهذا السبب أدخل الباحثون مفهوم سرعة التعرف على الصوت عند بحث السمع المطلق للتمييز بين هذه المجموعتين. هذا الفارق يقودنا إلى الحديث عن أنواع السمع المطلق: فهناك من يستطيع تمييز درجة الأصوات بغض النظر عن طبيعتها موسيقية أو صوت محرك السيارة أو ارتطام جسم بالأرض. وهناك من يستطيع تمييز الأصوات التي تصدرها الأداة الموسيقية التي يعزف عليها بسهولة، بينهما يصعب عليه تمييز أصوات أداة موسيقية أخرى. على العموم، التعرف على سلم دو الكبير بالنسبة لمن تربى على الموسيقى الغربية أسهل بسبب التمرين المستمر، هذا يعني معرفة أصوات المفاتيح البيضاء في البيانو، بينما يصبح التعرف على أصوت المفاتيح السوداء أصعب.

نعرف من تاريخ الموسيقى بعدد كبير من المؤلفين المشهورين الذين تمتعوا بهذه القدرة الفائقة، قد يكون موتسارت أحدهم، فقد علق ذات مرة أن كمان عائلة أصدقاءه لا يزال منصوبا بربع صوت أقل مثلما كان عند الزيارة السابقة. أما بيلا بارتوك فكان قادراً على تسمية نغمات البيانو وهو في الغرفة الثانية، وكان قادراً على تمييز كوردات (مركبات صوتية) بسيطة بالسماع. وقد ساعدت هذه القدرة الفائقة بارتوك في تجميعه للموسيقى والأغاني الشعبية كثيراً. من ناحية ثانية كان بارتوك حساساً تجاه للغاية ما يصدر من أصوات في محيطه. فحتى صوت راديو الجيران الذي تسرب خافتاً عبر السقف كان يزعجه، لذلك "ابتكر" وسيلة أسماها ماكنة الضجيج تصدر أصواتا دونما درجة معينة ومحددة كي يطمس الأصوات القادمة من الطابق الأعلى. ونعرف أن الحساسية المفرطة تجاه الصوت قد تكون واحدة من علامات أمراض التوحد، وهناك إشارات إلى احتمال مرض بارتوك بدرجة ما من طيف مرض التوحد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram