TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > قراءة في نتائج قمة جنيف

قراءة في نتائج قمة جنيف

نشر في: 23 يونيو, 2021: 09:50 م

 د. جاسم الصفار

كيف نقرأ نتائج قمة بايدن وبوتين في جنيف؟ هل تم ترشيد العداء بعد فترة من التصعيد الهستيري؟ وهل تم انقاذ العالم من كارثة حرب نووية محتملة، بمجرد الإعلان عن أن الحرب النووية أمر سيئ في بيان ختامي صدر عن القمة؟

هل يكفي «وميض» وعد بالعودة لمناقشة موضوع إعادة بناء نظام الامن العالمي لنطمئن على أمن متوازن تعيشه دول العالم كبيرها وصغيرها؟على أي حال، فالتراجع ولو خطوة واحدة،أو حتى نصف خطوة عن الهاوية التي لا نهاية لها في صراع الفناء النووي هو بالفعل إنجاز هائل في حد ذاته.

لنبدأ بما كان يطمح له كل من الرئيسين. بالنسبة للرئيس جو بايدن، كانت هذه فرصة لإظهار قدرته على الدفاع عن موقعه على المسرح العالمي وتعزيز مكانته في الداخل، كرئيس قوي للولايات المتحدة الامريكية. وبالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين، كانت تلك فرصة لإظهار المكانة المتميزة للدولة الروسية في العالم إضافة الى الكشف عن موهبته كرئيس فذ لدولة عظيمة. كلاهما فاز بتحقيق طموحاته وانجاح مهمة القمة كلقاء يهدف لكسر حالة الجمود في العلاقات الروسية الامريكية.

الصفة الغالبة على نتائج لقاء القمة الروسي الأمريكي هو أنها شكلت تقدما معتدلا في حدود الإمكانيات القائمة. وتعتبر، بهذا المعنى، نجاحًا واقعيا في ظروف وصلت فيها العلاقات الثنائية الروسية الامريكية إلى أدني مستوى لها. فقد تم التوصل إلى بعض التفاهمات والتوقيع على وثيقة واحدة، هي البيان الختامي للقمة.على سبيل المقارنة، كانت نتائج قمة 2018 مع دونالد ترامب بهذا المعنى أكثر تواضعًا، على الرغم من كل التصريحات الرنانة للرئيس الأمريكي السابق.

البيان الموقع بشأن إطلاق حوار شامل حول الاستقرار الاستراتيجي يعني أن أمريكا ما زالت تنظر إلى روسيا كلاعب رئيسي في مجال الأسلحة النووية، ولم يعد من الممكن التغاضي عن هذا الوضع. يجب القيام بشيء ما لم يتم تحديده بعد. ربما سيحدد الطرفان ذلك في سياق مفاوضات أخرى، تحتاجها روسيا وأمريكا، لأنهما يدركان خطر الانزلاق نحو سباق نووي قد يصعب السيطرة عليه.

وحقيقة أن الرئيس الأمريكي قد أشار مرارًا وتكرارًا إلى الولايات المتحدة وروسيا على أنهما «قوتان عظميان» و «دولتان قويتان»،تعني،اعتراف صريح، من قبل الرئيس الأمريكي، بروسيا كقوة عالمية عظمى، وهذا بحد ذاته يعكس تغير واضح في تقييم الدور الروسي. فقبل سبع سنوات فقط وصف باراك أوباما، رئيس بايدن آنذاك، روسيا باستخفاف بأنها «قوة إقليمية».

في الآونة الأخيرة،كثرت تصريحات الصقور والمنظرون، في كلا البلدين،للتخلي عن أي اتفاقات في مجال التسلح النووي،ولم يتورعوا عن الحديث عن الضرر الناجم عن نظام حظر الانتشار النووي وإمكانية أو حتى الرغبة في الاعتراف بالوضع النووي لدول الأمر الواقع التي تمتلك هذه الأسلحة.

يعد تنفيذ هذه المقترحات خطيرًا للغاية بالنسبة للعالم، لأن هذا من شأنه أن يزيد من احتمالية نشوب حرب نووية ويقلل من مكانة أمريكا وروسيا كدولتين رائدتين في مجال ضبط انتشار الأسلحة النووية. كما ان التخلي عن نظام يقيد انتشار الأسلحة النووية، لابد وأن يؤدي الى كوارث دولية. لذا فمما لا شك فيه أن حوارًا جدياً جديدًا حول الاستقرار الاستراتيجي بين روسياوالولايات المتحدة من شأنه أن يضع محددات وكوابح للطموحات النووية للدول الأخرى.

الاتفاق على عودة السفراء إلى عاصمتي البلدين هو اتفاق رمزي، ويهدف إلى تصفية الأجواء في المجال الدبلوماسي بين البلدين وجعلها أكثر إيجابية بشكل عام. وقد تتبعها قرارات أخرى مماثلة، كزيادة عدد موظفي البعثات الدبلوماسية، وإلغاء تجميد الممتلكات الدبلوماسية، وقضايا التأشيرات، وما شابه ذلك.

الاتفاق على المفاوضات بشأن الأمن السيبراني مثير للاهتمام للغاية. وهو تهديد جديد للطرفين،وقد كانت بشأنه من الجانبين العديد من الاتهامات المتبادلة، لكن لم تكن هناك محادثات بناءة حتى الآن يكون هذا التهديد على جدول أعمالها. وبما أنه تهديد جديد تواجهه البشرية،فيمكن للولايات المتحدة وروسيا أن تصبحا رائدتين في وضع حلول وقواعد تمنع انتشاره. ولكن أمريكا حتى كتابة هذه السطور لم تبد أي إشارة تدل على اهتمام جدي للتعاون مع روسيا بشأنه.

لابد من الإشارة الى أن تدهور العلاقات الروسية الامريكية هي نتاج سياسة تصعيد ممنهجة اتبعتها الإدارات الامريكية منذ أواسط العقد الأول من القرن الحالي. وقد شهدت هذه العلاقات تدهورا ملحوظا خلال فترة رئاسة ترامب، لذا فان التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي السابق عن إمكانية عقده لاتفاقيات ممتازة مع روسيا، تبقى فارغة ومتناغمة مع تصريحات أخرى كثيرة، تنتقد بشدة إدارة بايدن لضعفها تجاه روسيا.

وعلى الرغم من سلطة الرئيس الأمريكي والأغلبية الديمقراطية في مجلسي الكونجرس، فإن هذا النقد قد يؤدي إلى تعديل في موقفه، تمامًا كما أدى النقد السابق من المعارضين لترامب إلى تغيير في العديد من خطط ترامب الأصلية. ولطالما تؤمن النخب في كل من الولايات المتحدة وأوروبا إيمانًا راسخًا بتفردها وعلو شأنها فإنها ستعتبر أن النجاح في أي مفاوضات لم يتحقق إلا إذا كان استسلاما غير مشروطامن قبل الخصم أو على الأقل عند تقديمه لتنازلات جادة.

بالإضافة إلى ذلك، ليس من المعروف كيف يمكن تحقيق «مبدأ بايدن» للضغط والتعاون المتزامنين، خاصة وأن هذا النهج يتطلب بعض التكتيكات الدقيقة جدًا. فان مال قليلا نحو الضغط يمكنه أن يثني الطرف الاخر عن التعاون، وعلى العكس من ذلك، فإن الميل نحو التعاون سيولد انتقادات قوية من الداخل، تتهمه بالضعف تجاه الخصم. هناك اغنية عراقية تقول كلماتها “يا شاتل العودين... خضَر فرد عود...”، واستذكارها هنا للإشارة الى أن الرئيس بايدن سوف لا يجني من مبدئه المذكور، إن تسنى له أن يجني شيء ما، سوى نتيجة واحدة، قد لا تكون هي المبتغاة.

تواجه روسيا وأمريكا نفس التحدي، وهو تكييف الرغبات والقدرات مع ظروف العالم الجديد. وتقع أمام كل من موسكو وواشنطن مهمة فهم ما هو ممكن وما هو غير مناسب لهما في عالم متغير بشكل كبير ومستمر في تغييره. لم تكن القمة في جنيف انفراجه، لكن لا يزال من الممكن اعتبارها مشجعة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

أسباب تخلف العالم العربي في العلوم والتكنولوجيا

العمود الثامن: لجنة المرأة تحارب النساء

بين المتطلبات الأكاديمية والتحديات المهنية تعقيدات تطبيق تعليمات الترقيات العلمية

العمود الثامن: كشكش يك في مجلس النواب

العمود الثامن: وزير يطارد المستقبل

العمود الثامن: تحت شعار: جئنا لنبقى!!

 علي حسين ما يجري على الساحة السياسية الآن يثيرُ شكوك وسخرية الناس بكائن هجين احتارت الناس ماذا تسميه، مؤتمر وطني، اجتماع وطني أم ورقة الإصلاح؟ المواطن يدرك انه كلما طرحت بادرة للتقارب بين...
علي حسين

كلاكيت: المخرجون عندما يقعون في غرام الأدب

 علاء المفرجي 8 -من هنا يمكن لنا رصد مستويين للرؤية: المستوى الاول هو مستوى سرد للاحداث والمستوى الثاني لحظة ولادة اوسكار مستوى معايشة الاحداث، الذاتي والموضوعي اذن هو اساس التحكم في جميع العلاقات...
علاء المفرجي

المعاهدة الروسية – الإيرانية: تؤسس لنقلة نوعية في علاقات البلدين

د. فالح الحمراني وقع الرئيسان فلاديمير بوتين ومسعود بيزشكيان اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران في 17 كانون الثاني في الكرملين. وجاء توقيع الاتفاقية نتيجة الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الإيراني إلى...
د. فالح الحمراني

عجائب الثورات.. قطاعو طرقٍ ولصُوصٌ

رشيد الخيون تجد كتب التَّاريخ ملأى بالغرائب والعجائب؛ تسمع بشخصية ذي مكانة في قيام ثورة مِن الثَّورات، أو دولة مِن الدُّول، وإذا به وصل إلى ما هو عليه، بعد إشقاء النّاس بقطعه الطّريق، واللصوصيَّة....
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram