TOP

جريدة المدى > عام > موسيقى الاحد: الأذن الـمـطـلـقـة

موسيقى الاحد: الأذن الـمـطـلـقـة

نشر في: 3 يوليو, 2021: 09:58 م

ثائر صالح

الجزء الثالث

تحدثنا في الحلقتين السابقتين عن الاذن المطلقة والعلاقة بين اللغة والموسيقى وتأثير ذلك على السماع.

وقلنا إن دراسة هذه الموضوع المعقد بدأ في أواخر القرن التاسع عشر لكن الدفعة الحقيقية لهذا البحث جاءت بعد تطور تقنيات فحص الدماغ، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي والتوموغرافيا الكومبيوترية وتوموغرافيا الانبعاث البوزيتروني (MRI - CT - PET) التي تصور المخ أثناء عملية النشاط الدماغي. يرى العلماء إن تعامل الدماغ مع الموسيقى هو عملية غاية في التعقيد، وقد تكون أعقد عملية يقوم بها الدماغ استناداً إلى اشتراك أجزاء متعددة منه فيها لا علاقة لها ظاهرياً بالسمع. وهنا وجد العلماء اختلافات كبيرة في نشاط المخ بين السماع المطلق والنسبي، لكن تفسير ذلك وفهمه لا يزال بعيداً عن المنال. مثلاً يبلغ حجم المنطقة القشرية المرتبطة باللغة والموسيقى (Planum Temporale) في النصف الأيسر من المخ أضعاف حجمها في النصف الأيمن، لكن الأختلاف بين الاثنتين أكبر بكثير عند أصحاب السمع المطلق.

ويعرف العلم نسبة أعلى من أصحاب الأذن المطلقة بين من يعاني من أمراض معينة، مثل فقدان حاسة أخرى كالبصر، كذلك ترتفع نسبتهم في حالة بعض الأنواع من التوحد كما ذكرت في مثال بيلا بارتوك. وتؤثر الأمراض الاعتيادية مثل الزكام أو الانفلونزا على إداء أصحاب الأذن المطلقة، كأن يتصور السلم الموسيقي عندهم على نصف درجة مثلاً، وهو أمر مربك لهم لحين شفائهم وعودة الإدراك الى مستوياته السابقة.

من جانب آخر قد ينزعج أصحاب الاذن المطلقة عند سماع ما يسمى الإداء التاريخي لعصر الكلاسيك أو الباروك، عندما تدوزن الأدوات بتردد أوطأ، مثلا بنصف درجة (أي 432 هرتس بدلا من440 هرتس المعتادة)، عندها تقع السلالم الموسيقي التي اعتادوا عليها في مكان آخر. ويصف بعض عازفي البيانو حالة الارتباك عندما يجلسون عند بيانو تغيرت درجته أو نصب على درجة مختلفة فلا يتطابق الصوت الذي يسمعونه مع المفتاح الذي يضربون عليه. ويروى عن الموسيقار المجري أرنو (أرنست فون) دوهناني (1877 – 1960) قدرته على تصوير أي عمل في ذهنه على درجة أخرى وإدائه على البيانو مع الأوركسترا دون صعوبة حتى مع تغير موقع الأصابع وترتيبها بسبب اختلاف النغمات البيضاء والسوداء، وهذا إنجاز ذهني هائل. وقد يختلف مستوى هذه القدرة كذلك مع تقدم العمر، ويقال إن عازف البيانو الشهير سفياتوسلاف ريختر عاد إلى استعمال المدونة الموسيقية في أواخر عمره بعد أن كان يؤدي من الذاكرة بسبب تغير موقع الطبقات الموسيقية في ذهنه.

ختاماً أشير إلى أن هذه الملكة موجودة في كل الأنظمة الموسيقية. وقد ذكر لي الصديق جميل جوزي الكوران أحد مخضرمي فرقة الانشاد العراقية الشهيرة عن امتلاك الفنان الراحل روحي الخماش هذه القابلية الفريدة. هذا يعني معرفة كل الأبعاد العربية المرهفة المبنية على أساس السلم الموسيقي الطبيعي وأجناس المقامات التي ابتكر أصلها الموسيقيون السومريون وحفظها لنا الموسيقيون البابليون ومن تلاهم حتى اليوم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram