TOP

جريدة المدى > عام > موسيقى الاحد: السنطور المجري

موسيقى الاحد: السنطور المجري

نشر في: 10 يوليو, 2021: 09:53 م

ثائر صالح

السنطور أو سلفه كان بين الأدوات المستعملة في بلاد الرافدين وما حولها منذ زمن الإمبراطورية الآشورية الحديثة على الأقل.

فجداريات قصور ملوك آشور تصور العديد من الموسيقيين الذين يضربون أوتار ما يشبه القيثارة بمضارب. هذه الجداريات في غاية الأهمية لأنها أساس جيد لدراسة مختلف النشاطات اليومية في العصر الآشوري لما تتميز به هذه المنحوتات من دقة تفاصيل تصوير الأدوات والنشاطات. لذلك تشكل هذه الجداريات في الموسيقى مصدراً هاماً للمعلومات عن الموسيقى الرافدينية وبناء الأدوات الموسيقية وهذا يعرف بعلم الأورغانولوجيا (علم الأدوات الموسيقية وتصنيفها) والآركيوموسيقولوجيا (علم الموسيقى الآثاري).

استعمل السنطور والأدوات المشابهة للقانون في مختلف أنحاء أوروبا، وبقيت مستعملة في الموسيقى الشعبية على العموم حتى اليوم ولو بحدود ضيقة. وكان السنطور من الأدوات المفضلة لدى موسيقيي الغجر في وسط وشرقي أوروبا، على الخصوص في المناطق التي كانت تابعة للمملكة المجرية في حوض جبال الكاربات. رنين أدوات السنطور هذه جذّاب وزجاجي الطابع، بسبب اهتزاز الأوتار المعدنية بعد طرقها بالمضرب. لكن هذا بالذات ما يمكن اعتباره مثلبة، فاستمرار الأوتار بالرنين يسبب أحياناً تداخلاً صوتياً غير مرغوب فيه مع النغمات التي تؤدى لاحقاً، ويمكن الشعور بهذا في بعض الأحيان، خاصة عند سماع موسيقى السنطور الإيرانية. ففي حين يمكن لعازف القانون كتم الصوت غير المرغوب فيه بيديه، يصعب ذلك على عازف السنطور بسبب مسكه المضرب بيديه.

تأثرت الموسيقى الكلاسيكية في القرن التاسع عشر بموسيقيي الغجر المهرة، فقد كتب برامز رقصاته المجرية بتأثير ما سمعه من الفرق الغجرية وبتأثير من أصدقائه الموسيقيين المجريين. في تلك الفترة قام موسيقي مجري يدعى غيزا آلّاغا (1841 – 1913) بتأسيس مدرسة عزف السنطور بالاستفادة من التطويرات التقنية الهامة التي أدخلها الاسطة الماهر يوجف شوندا (1845 – 1923) على صناعة السنطور (بالمجرية تسيبمالوم) وتحويله إلى أداة بمتانة ومستوى البيانو، عبر توسيع مداها الصوتي وتقوية بنائها وإضافة دواسات للتحكم برنين الأوتار مثل دواسات البيانو بهدف السيطرة على مدى الرنين. وقد احتاج جسم السنطور إلى تقوية بسبب الشد الهائل الذي تسببه الأوتار والذي يقدر بالأطنان (100 ألف نيوتن تساوي 10 أطنان قوة تقريباً) لذلك تستعمل دعائم فولاذية افقية لتقوية هيكله بالإضافة إلى استعمال خشب سميك في بناء صندوق الصوت.

بهذا تحولت الأداة الشعبية المعروفة بالسنطور الصغير إلى أداة تضاهي البيانو، وأصبحت تعرف بسنطور قاعة الموسيقى، فقد غدت مناسبة لدخول هذه القاعات كأداة منفردة وللكونشرتو ومصاحبة في نفس الوقت. زادت شعبية هذه الأداة وأصبحت تعد من الأدوات "القومية" المجرية حتى اليوم، وهناك العديد من العازفين الماهرين لدرجة مذهلة، الكثيرون منهم من الغجر. ألّف آلّاغا الكثير من الأعمال لها، ووزع أعمال موسيقية شهيرة للسنطور جمعها في جزأين أسماها مدرسة التسيمبالوم. بذلك دخل السنطور عالم الموسيقى "الكلاسيكية"، إذ أُعجب مؤلفون موسيقيون آخرون بهذه الأداة الفخمة وكتبوا لها بعض الأعمال مثل بارتوك وسترافنسكي وكوداي وديبوسي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram