TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: خبر مُحزن

العمود الثامن: خبر مُحزن

نشر في: 8 أكتوبر, 2012: 08:00 م

 علي حسين
شعرت بالأسى وأنا اقرأ البيان الذي أصدره مقرر مجلس النواب محمد الخالدي والذي جاء  فيه "ان اعضاء مجلس النواب غير مشمولين هذا العام بالحج". وانتابني الحزن أكثر حين علمت أن مجلسنا الهمام سيستمر في عقد جلساته حتى أيام الحج، فقد كنت مثل غيري من ملايين العراقيين، نأمل أن يغط برلماننا الموقر في نوم عميق لمدة أربعين يوما نتخلص فيها من فوضى التصريحات الببغاوية، وكنت أتمنى – ولو ان التمني بضاعة المفلس - ان يأخذ البرلمان اجازة استجمام طويلة، فربما يرتاح الناس من فوضى الخطابات والهتافات التي تفاقم أزمة الاحتقان السياسي، فما الذي سيجنيه الناس من برلمان يعيد الى مسامعهم الخطب نفسها وتمتلئ شاشات الفضائيات بمعارك تاريخية غير مسبوقة؟ وتتحول جلساته  إلى مناكفات شخصية، ويملأ أعضاؤه "الحجاج" السموات والأرض بتصريحات عن الوطنية ومصلحة البلاد والدفاع عن قضايا الشعوب، لكنهم يعجزون عن مناقشة قانون يصب في مصلحة الناس.
للاسف سنحرم نحن من متعة الهدوء والسكينة.. وسيحرم نوابنا من منافسة الحاج أبو اسراء الذي اخبرنا ذات يوم انه حج بيت الله 14 مرة.
في أوضاع كهذه من حق العراقيين ألاّ يبالوا باجتماع برلمانهم الموقر، والاّ يقعوا في غرامه، والسبب لأن بضاعته قديمة وبالية، ولا تناسب مطالب الناس بالعدالة الاجتماعية وبالإصلاح السياسي، فهي بضاعة مزيفة لا يمكن لمواطن ذكي أن يقتنيها.
من المؤكد أن كثيرا من العراقيين يشعرون بالحسرة وهم يشاهدون نوابهم  الأفاضل قد حرموا من الذهاب الى الحج بعد ان سهروا الليالي، وعقدوا اجتماعات واصلت الليل بالنهار تم خلالها اختيار عدد من النواب من المشهود لهم بالتقوى، لكتابة دعاء يطلق عليه اسم دعاء النواب "الحجاج" وبعنوان "اللهم اجعل قبة البرلمان دارنا ومستقرنا إلى يوم الدين".
سيقول البعض: أليس من الغريب والمعيب أن يذهب سياسيون ومسؤولون إلى موسم الحج في وقت عصيب، الناس فيه بأمس الحاجة إلى إطلالة مسؤول يشرح لهم ما الذي يحصل؟
كنت أتمنى على السادة المسؤولين ومن ضمنهم نواب ووزراء يصرون على الذهاب إلى الحج كل عام، أن يتبرعوا بمبالغ حجّتهم لضحايا  الإرهاب فهي عند الله أكرم وأعظم من حجة بأموال غير مستحقة، كنت أتمنى على المسؤولين الذين يذهبون كل عام زرافات لأداء موسم الحج الخامس أو السادس أن يحجوا إلى الأماكن التي طالها الإرهاب وان يواسوا عوائل الضحايا، فستكتب لهم عند الله بمئة حجة.
كنت أتمنى أن يتبرع السادة الوزراء الحجاج جميعهم برواتب الأشهر التي قبضوها بدون وجه حق إلى عوائل شهداء التفجيرات الأخيرة علها تخفف عنهم ذنوبهم التي ارتكبوها بحق هذا الشعب المغلوب على أمره.
أيها السادة.. الوطن في خطر وهو بحاجة أن تمتد له يد أبنائه المخلصين، أن تمتد بالخير، لا بالانتهازية والمحسوبية والمصالح الضيقة، فأهم من أن تحصل كتلة سياسية على كل ما تريد وتشتهي، واهم من أن يحدد البعض من هو الأحق بهذا المنصب أو ذاك، هو أن نطمئن على العراق وعلى مستقبله وعلى مصيره.
لقد اختار العراقيون العملية الديمقراطية إيمانا منهم بأن القوى السياسية ستوفر لهم الأمن والهدوء والاستقرار، وتحفظ الناس من المخاطر والأهوال.. لكن الأمور جاءت عكس ما تمنوا، ولم تعرف البلاد هدوءاً منذ أن اطل "الحجاج" وهم يهتفون الواحد ضد الآخر.
الناس تدرك جيدا انها تعيش في ظل ساسة ظرفاء ولطفاء لا يعجبهم القول بأن برلمانهم ولدا كسيحا وفاقدا البصر والبصيرة، وان وجوده ضد الطبيعة البشرية، كونه جاء خالياً من الكفاءات - مع استثناءات قليلة جدا - بعد عملية إبادة جماعية نفذتها الكتل السياسية ضد كل الأصوات التي طالبت بان يكون البرلمان صوتا حقيقيا للناس.
إن هؤلاء البرلمانيين لم يتركوا لأحد فرصة كي يصدقهم أو يحترم مواقفهم، فهم من كثرة تقافزهم فوق أسوار حدائق السلطة  منذ سنوات يجعلنا نستقبل كل ما يصدر عنهم بالارتياب وعدم الاعتبار، ذلك أنهم في غالبيتهم مسؤولون عن هذه المآسي التي يعيش في ظلها ملايين العراقيين.
للأسف يتصور حجاج العهد الجديد أن السلطة والمنصب مكافأة لهم على نضالهم وجهادهم، وان هذا يعطيهم الحق بان يكونوا فوق القانون والدولة.
 النواب الحجاج لماذا تتوهمون بانكم تحملون "البركة".. وان دعواتكم عند الله مستجابة؟!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. رنا تميرة

    استاذ علي...احب كتاباتك واتابعها باستمرار...احب اسلوبك الساخر فهو كالكوميديا السوداء...يعبر عن الغضب الذي بداخلنا نحن المواطنين ونحن نرى وطننا ينهش من قبل ثلة من المتخلفين المنافقين...شكراً

  2. شاكر حسن

    ألأستاذ علي تحية طيبة لك ولكل الصحفيين والكتاب الشجعان.الكارثة لا تكمن في النواب وبرلمانهم الأعرج مع احترامي لكل المعاقين والعرجان بل في الشعب الذي أختارهم واختار التعصب والمذهب على حساب الوطن والتقدم والأعمار.المظاهرات القائمة في كل المحافظات أثبتت ذلك و

  3. شاكر حسن

    ألأستاذ علي تحية طيبة لك ولكل الصحفيين والكتاب الشجعان.الكارثة لا تكمن في النواب وبرلمانهم الأعرج مع احترامي لكل المعاقين والعرجان بل في الشعب الذي أختارهم واختار التعصب والمذهب على حساب الوطن والتقدم والأعمار.المظاهرات القائمة في كل المحافظات أثبتت ذلك و

  4. خليلو....

    يقال،والقول حق،أنَ الحجة تمسح كلَ الآثام التي إقترفها العبد طيلة العام الذي عاشه.أمَاالسادة الحاصلون على عضويةالبرلمان بالصدفةفلن تغسل مئة حجة آثامهم .فليختاروا مقاصد غير بيت الله الحرام فالله أعلم من سواه بسرائر خلقه..

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: الكاتب الحقيقي

العمودالثامن: جمهورية قص اللسان

ضجيج الدجاجة:عندما يتحول الصخب إلى أداة لتسويق الوهم

العمودالثامن: طائفي موسوعي

العمودالثامن: مــن ســرق أحلامنا؟

 علي حسين عاش جورج جرداق حياته مثل برنامجه الإذاعي الشهير"على طريقتي" فالشاعر الذي خصته أم كلثوم بمحبة وتقدير وعشقت أشعاره وغنـَّت له إحدى الروائع "هذه ليلتي" هو نفسه صاحب أكبر موسوعة عن الإمام...
علي حسين

واشنطن والانقلابات القاتلة

د. حسين الهنداوي (3)استلهاما لمخطط الانقلاب البعثي الناجح في 8 شباط 1963 الذي نفذته في العراق وأطاح بنظامه الوطني وسط بحيرة من دم، بادرت الـ (سي أي اي) الى تنفيذ مخطط مماثل في اندونيسيا...
د. حسين الهنداوي

المكوِّن الشيعي.. دُرّة بيد فحّام

غالب حسن الشابندر جغرافية متلاصقة، نفط، كنز بشري متدَفِّق، تاريخ زاخر بالمفاخر، مياه، عمق روحي، جريدة يومية ــ المنبر الحسيني ـ حضور عالمي موسمي ــ عاشوراء ورمضان ــ معاقل روحية تهفو إليها القلوب عن...
غالب حسن الشابندر

بريكس نحو تشكيل نظام عالمي جديد: الآفاق والتحديات

د. فالح الحمراني يجمع أغلبية المراقبين على أن قمة دول مجموعة بريكس يومي 22 و24 تشرين الثاني في قازان عاصمة جمهورية تتارستان، حدثا جوهريا في إطار رئاسة روسيا لمجموعة بريكس لعام 2024 والتطور اللاحق...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram