عمـار سـاطع
أجزمُ أنه لا يوجد جيل من الأجيال الكروية التي مثّلت منتخبنا الوطني على مدى نصف قرن بالتمام والكمال، أسوأ فنياً من الجيل الحالي الذي يلعب في تصفيات مونديال قطر 2022!
حينما أُجزِم، فأنني أريد التأكيد على أن منتخب اليوم، يعيش في أتعس أيامه، بل أنه أفتقد الى صورة (أسود الرافدين) المعروفة وهويّته التي ضاعت في الأديم الأخضر، وبقي اسمه فقط هو من يرتبط بتأريخ منتخب العراق!
فمِنْ منتخب تسبقه سُمعة جارفة، حضور مميّز، صعب المِراس، الى منتخبٍ فقير ومتواضع أصبح لُقمة سائِغة لكل المنافسين.. ومن منتخبٍ شديد ومقتدر وعازم الى فريق ضعيف ومهزوز ومتخبّط.. لا بل يصل به الحال الى أن يكون فريقنا (عادي) فنياً، تفتقر خطوطه إلى أبسط المقوّمات والامكانيات، وتتباعد فيما بينها وتخوض المواجهات بلا اسماء فعّالة أو عناصر تملك الروحية العالية أو نجوم يصنعون الفارق مع الغُرماء الآخرين!
أجل هكذا تحوّل منتخبنا فجأة.. من فريق يلعب بحيويّة واضحة الى لاعبين أقرب لأن يكونوا غرباء في الميدان.. من فرقة تلعب وتُمتّع المُتابعين بإداءٍ جميل الى مجموعة تخوض المباريات بجمودٍ غير مسبوق! وأكثر من ذلك، فإن لاعبينا اليوم يفتقدون الى النزعة الفنية واللمسة الصحيحة والنهاية السليمة وطرق اللعب السريعة في مقارعة المنافسين ومواجهتهم بالشكل الأمثل.
أعلم كغيري، أنه زمنٌ كرويّ رديء.. وأاسفي كبير وكبير جداً، لأننا نملك هكذا منتخب، يرتبط اسمه بآثار أجيال كرتنا الذهبيّة، لكنّه في الحقيقة لا يمتُّ بصلةٍ لهم، بل أنه بعيد كل البُعد عن شيء اسمه (أسود الرافدين) والأكثر من ذلك رداءة هو أننا نواجه منتخبات ليست بذلك المستوى المتطوّر أو أعلى شأناً من فريقنا، وربما أضعف بكثير حتى من أجيالها السابقين!
نعم.. ما يحدثُ اليوم في رحلة منتخبنا في التصفيات المونديالية، هو الهُراءُ بِعَينِهِ والمهزلة بمعناها الأدق… فلا "ديك أدفوكات" يعلم ماذا يريد من عناصرهِ ولا عناصره تفهم ماذا يريد منها مدرّبها.. نعم هذا هو بالضبط الوصف الأكثر دقّة لما يحدث من مهزلةٍ.. فالمدرب محتار ممّا يحدُث نتيجة عدم استطاعته توظيف المجهودات الفنية ومن الافتقار الى الحسّ التهديفي، واللاعبين حائرين ممّا يواجهونه من أزمة فعلية بغياب الثبات وعدم الاستقرار وفقدان الانسجام، ناهيك عن الشرود الذهني الذي أصاب الكثيرين منهم!
أيها الأخوة.. الحقيقة واضحة تماماً وغير مُعقدة، بل انها لا تحتاج الى أدلّة أو براهين.. وحلقة الوصل مفقوده، وهو ما ظهر بملعب الوصل في زعبيل بدبي بشكل واضح، ففريقنا يعتمد على الاجتهادات الشخصية والرؤى غير المنطقية وصولاً الى الاستشارات الفنية العقيمة!
أضف الى ذلك ان لاعبينا منزوعي الهوية والاصرار ويلعبون تحت ضغط السوشيال ميديا دون أن يحدّد أياً منهم أهدافه الصريحة وكأنّهم تناسوا مهمّتهم في هذه التصفيات الأسهل وصولاً الى المونديال، ووضعوا نُصب أعينهم ما يُكتب أو يُنشر هنا أو هناك أكثر من اهتمامهم بالواجبات الموكلة اليهم والتي يفترض أن تُدرس بحذافيرها وتُطبّق على أرض الواقع!
في الحقيقة أن الأداء كان مُخيّباً، والعزيمة كانت مفقودة، واللعب كان بلا روحية، والمستوى الذي شاهدناه كان هزيلاً، ليس في مباراة الإمارات، الرابعة ضمن جولات تصفيات المجموعة الأولى فحسب، بل في المواجهات الأربع التي لعبناها، والتي بيّنت أن خطوط اللعب تتقاسم فيما بينها العتاب على الأخطاء التي أصبحت ديدن فريقنا، وتكرّرت من دون إيجاد الحلول الجذرية لها.
ربّما كانت الحسنة الوحيدة من مواجهاتنا الأربع، هي أن لاعبينا كسروا حاجز النحس الذي رافقهم وسجّلوا أول أهداف العراق في التصفيات الحاسمة، وتحديداً بعد مضي 345 دقيقة من اللعب هي مجموع دقائق مبارياتنا أمام كوريا الجنوبية وإيران ولبنان وأخيراً الإمارات، أي أن خطّنا الهجومي صامَ لـِسبعة أشواط قبل أن يفلح في التسجيل بعد مضي 30 دقيقة من الشوط الثامن!
لا أريد أن أكون أكثر قسوة على حدث من (كابوس) رحلة المباريات الأربع الماضية والنقاط الثلاث التي كسبناها من أصل 12 نقطة، دون أن نتذوّق طعم الفوز، تتحدّث عن نفسها بإيجاز مليء بالألم والحسرة وتفتح ملف الاخفاق وجروحه العميقة، بيد أن العلاجات ربما تضمّد ذلك الشجّ الذي أصاب الرأس، والحق يُقال وهو أن المدرب أدفوكات بحاجة لِمَن يعرف أكثر منه (دراية وحنكة) في مثل هكذا حالات فنيّة مستعصية، بل وحتى في استشارته لِمَن يعرف الإجابة لإتخاذ القرار الأكثر نجاعة، مثلما أن لاعبي منتخبنا بحاجة ماسّة للاعبين آخرين يُمكن وصف دواء لِدائِهم عسى أن ينهوا علّتهم ويقضون على مرضهم!